ثم قال: إن استقام أمر خمسة منكم وخالف واحد فاضربوا عنقه، وإن استقام أربعة واختلف اثنان فاضربوا أعناقهما، وإن استقر ثلاثة واختلف ثلاثة فاحتكموا إلى ابني عبد الله، فلأي الثلاثة قضى فالخليفة منهم وفيهم (1)، فإن أبى الثلاثة الآخرون ذلك فاضربوا أعناقهم، فقالوا: قل فينا يا أمير المؤمنين مقالة نستدل فيها برأيك ونقتدي به. فقال: والله ما يمنعني أن أستخلفك يا سعد إلا شدتك وغلظتك، مع أنك رجل حرب. وما يمنعني منك يا عبد الرحمن إلا أنك فرعون هذه الأمة. وما يمنعني منك يا زبير إلا أنك مؤمن الرضا، كافر الغضب. وما يمنعني من طلحة إلا نخوته وكبره، ولو وليها وضع خاتمه في إصبع أمرته. وما يمنعني منك يا عثمان إلا عصبيتك وحبك قومك وأهلك، وما يمنعني منك يا علي إلا حرصك عليها، وإنك أحرى القوم إن وليتها أن تقيم على الحق المبين.
والصراط المستقيم. أوصي الخليفة منكم بتقوى الله العظيم، وأحذره مثل مضجعي هذا، وأخوفه يوما تبيض فيه وجوه وتسود وجوه، يوم تعرضون على الله لا تخفى منكم خافية، ثم غشي عليه حتى ظنوا أنه قد قضى فجعلوا ينادونه ولا يفيق من إغمائه، فقال قائل: إن كان شئ ينبه فالصلاة، فقالوا: يا أمير المؤمنين الصلاة، ففتح عينيه فقال: الصلاة هأنذا، ولاحظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، فصلى وجرحه يثعب دما (2)، ثم التفت إليهم وقال: قد قومت لكم الطريق فلا تعوجوه، ثم التفت إلى علي بن أبي طالب، فقال: لعل هؤلاء القوم يعرفون لك حقك وشرفك وقرابتك من رسول الله، وما آتاك الله من العلم والفقه والدين فيستخلفوك، فإن وليت هذا الأمر فاتق الله يا علي فيه، ولا تحمل أحدا من بني هاشم على رقاب الناس، ثم التفت إلى عثمان فقال: يا عثمان، لعل هؤلاء القوم يعرفون لك صهرك من رسول الله وسنك وشرفك وسابقتك فيستخلفوك، فإن وليت هذا الأمر فلا تحمل أحدا من بني أمية على رقاب الناس. ثم دعا صهيبا فقال: يا صهيب، صل بالناس ثلاثة أيام، ويجتمع هؤلاء النفر ويتشاورون بينهم (3): اخرجوا عني، اللهم ألفهم وأجمعهم على الحق، ولا تردهم على