كل واحد منهم العهد والميثاق: لئن بايعتك لتقيمن لنا كتاب الله وسنة رسوله، وسنة صاحبيك من قبلك، فأعطاه كل واحد منهم العهد والميثاق على ذلك، وأيضا لئن بايعت غيرك لترضين ولتسلمن، وليكونن سيفك معي على من أبى فأعطوه ذلك من عهودهم ومواثيقهم، فلما تم ذلك أخذ بيد عثمان، فقال له:
عليك عهد الله وميثاقه لئن بايعتك لتقيمن لنا كتاب الله وسنة رسوله وسنة صاحبيك، وشرط عمر أن لا تجعل أحدا من بني أمية على رقاب الناس، فقال عثمان: نعم. ثم أخذ بيد علي، فقال له: أبايعك على شرط عمر أن لا تجعل أحدا من بني هاشم على رقاب الناس، فقال علي عند ذلك: ما لك ولهذا إذا قطعتها في عنقي؟ فإن علي الاجتهاد لأمة محمد حيث علمت القوة والأمانة استعنت بها، كان في بني هاشم أو غيرهم، قال عبد الرحمن: لا والله حتى تعطيني هذا الشرط، قال علي: والله لا أعطيكه أبدا، فتركه، فقاموا من عنده، فخرج عبد الرحمن إلى المسجد، فجمع الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إني نظرت في أمر الناس، فلم أرهم يعدلون بعثمان، فلا تجعل يا علي سبيلا إلى نفسك، فإنه السيف لا غير. ثم أخذ بيد عثمان فبايعه وبايع الناس جميعا، قال: فكان عثمان رضي الله عنه ست سنين في ولايته، وهو أحب إلى الناس من عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وكان عمر رجلا شديدا قد ضيق على قريش أنفاسها، لم ينل أحد معه من الدنيا شيئا إعظاما له وإجلالا، وتأسيا به واقتداء، فلما وليهم عثمان ولى رجل لين.
قال الحسن البصري: شهدت عثمان وهو يخطب وأنا يومئذ قد راهقت الحلم، فما رأيت قط ذكرا ولا أنثى أصبح وجها ولا أحسن نضرة منه. فسمعته يقول: أيها الناس، اغدوا على أعطياتكم فيأخذونها وافية، أيها الناس اغدوا على كسوتكم، فيغدون فيجاء بالحلل فتقسم بينهم، حتى والله سمعت أذناي: يا معشر المسلمين اغدوا على السمن والعسل فيغدون فيقسم بينهم السمن والعسل، ثم يقول يا معشر المسلمين اغدوا على الطيب، فيغدون فيقسم بينهم الطيب من المسك والعنبر وغيره، والعدوان والله منفى، والأعطيات دارة والخير كثير، وما على الأرض مؤمن يخاف مؤمنا، من لقي في أي البلدان فهو أخوه وأليفه، وناصره ومؤدبه فلم يزل المال متوفرا، حتى لقد بيعت الجارية بوزنها ورقا، وبيع الفرس بعشرة آلاف دينار وبيع البعير بألف، والنخلة الواحدة بألف.