حتى قتل زيد بن محمد أربعة عشر رجلا، فضربه بالسيف منهم أربعة في وجهه. ولزم أبو سعيد الخدري بيته (1)، فدخل عليه نفر من أهل الشام، فقالوا:
أيها الشيخ، من أنت؟ فقال: أنا أبو سعيد الخدري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا ما زلنا نسمع عنك، فبحظك أخذت في تركك قتالنا، وكفك عنا، ولزوم بيتك، ولكن أخرج إلينا ما عندك. قال: والله ما عندي مال، فنتفوا لحيته، وضربوه ضربات، ثم أخذوا كل ما وجدوه في بيته حتى الصواع (2) وحتى زوج حمام كان له.
وكان جابر بن عبد الله يومئذ قد ذهب بصره، فجعل يمشي في بعض أزقة المدينة، وهو يقول: تعس من أخاف الله ورسوله. فقال له رجل: ومن أخاف الله ورسوله؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أخاف المدينة فقد أخاف ما بين جنبي (3)، فحمل عليه رجل بالسيف ليقتله، فترامى عليه مروان فأجاره، وأمر أن يدخله منزله، ويغلق عليه بابه، وكان سعيد بن المسيب رحمه الله لم يبرح من المسجد، ولم يكن يخرج إلا من الليل إلى الليل، وكان يسمع إذا جاء وقت الأذان أذانا يخرج من قبل القبر الشريف، حتى آمن الناس، فكان سعيد يقول: ما رأيت خيرا من الجماعة (4)، ثم أمر مسلم بالأسارى، فغلوا بالحديد، ثم دعا إلى بيعة يزيد، فكان أول من بايع مروان بن الحكم، ثم أكابر بني أمية، حتى أتى على آخرهم. ثم دعا بني أسد، وكان عليهم حنقا، فقال: أتبايعون لعبد الله يزيد ابن أمير المؤمنين ولمن استخلف عليكم بعده، على أن أموالكم ودماءكم وأنفسكم خول له، يقضي فيها ما شاء؟
قال يزيد بن عبد الله بن زمعة: إنما نحن نفر من المسلمين لنا ما لهم وعلينا ما