فقال معاوية: مرحبا يا بن بنت رسول الله وابن صنو أبيه (1)، ثم انحرف إلى الناس، فقال: هذان شيخا بني عبد مناف، وأقبل عليهما بوجهه وحديثه، فرحب وقرب، وجعل يواجه هذا مرة، ويضاحك هذا أخرى، حتى ورد المدينة، فلما خالطها لقيته المشاة والنساء والصبيان، يسلمون عليه ويسايرونه إلى أن نزل، فانصرفا عنه فمال الحسين إلى منزله، ومضى عبد الله بن عباس إلى المسجد فدخله.
وأقبل معاوية ومعه خلق كثير من أهل الشام، حتى أتى عائشة أم المؤمنين فاستأذن عليها فأذنت له وحده، ولم يدخل عليها معه أحد، وعندها مولاها ذكوان. فقالت عائشة: يا معاوية، أكنت تأمن أن أقعد لك رجلا فأقتلك كما قتلت أخي محمد بن أبي بكر؟ (2) فقال معاوية: ما كنت لتفعلي ذلك، قالت:
لم؟ قال: لأني في بيت آمن، بيت رسول الله. ثم إن عائشة حمدت الله وأثنت عليه، وذكرت رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكرت أبا بكر وعمر، وحضته على الاقتداء بهما، والاتباع لأثرهما، ثم صمتت. قال: فلم يخطب معاوية، وخاف أن لا يبلغ ما بلغت، فارتجل الحديث ارتجالا، ثم قال: أنت - والله يا أم المؤمنين - العالمة بالله وبرسوله، دللتنا على الحق، وحضضتنا على حظ أنفسنا، وأنت أهل لأن يطاع أمرك، ويسمع قولك، وإن أمر يزيد قضاء من القضاء، وليس للعباد الخيرة من أمرهم، وقد أكد الناس بيعتهم في أعناقهم، وأعطوا عهودهم على ذلك ومواثيقهم، أفترين أن ينقضوا عهودهم ومواثيقهم؟
فلما سمعت ذلك عائشة علمت أنه سيمضي على أمره، فقالت: أما ما ذكرت من عهود ومواثيق، فاتق الله في هؤلاء الرهط، ولا تعجل فيهم، فلعلهم لا