يكن في شعراء المغرب من هو في طبقة ابن هانئ لا من متقدميهم ولا متأخريهم بل هو أشعرهم على الاطلاق وهو عندهم كالمتنبي عند المشارقة.
ويقول الذهبي صاحب تاريخ الاسلام: ليس يلحقه أحد في الشعر من أهل الأندلس وهو نظير المتنبي.
وقد ترجم المستشرق فان كريمر بعض أشعاره إلى الألمانية وقال عنه:
قوة البيان وكثرة التمثيلات وجودة الألفاظ التي لا يكاد يقدر عليها من الشعراء الا القليل هي الأوصاف التي نشرت صيته ورفعت ذكره فلذلك سمته المغاربة متنبي الغرب فلا شبهة في كونه مستحقا لذلك اللقب، وقال أبو الوليد الشقندي: هل منكم الذي طار في مشارق الأرض ومغاربها قوله وهو أبو القاسم محمد بن هانئ الإلبيري. وقال الحميدي: محمد بن هانئ شاعر أندلسي كثير الشعر محسن مجود الا ان قعقعة الألفاظ أغلب على شعره. وقال محمد بن عبد الله ابن أبي بكر القضاعي البلسي المعروف بابن الأبار: هو وأبو عمرو بن دراج القسطلي نظيران لحبيب والمتنبي فشبهه بأبي تمام. وقال الفتح بن خاقان في قلائد العقيان. هو علق خطير وروض أدب مطير غاص في طلب الغريب حتى اخرج دره المكنون وبهرج بافتتانه فيه كل الفنون وله نظم تتمنى الثريا ان تتوج به وتقلد ويود البدر ان يكتب فيه ما اخترع وولد.
قتله والسبب فيه قال ابن الأثير: بينما كان يسير متوجها إلى مصر وهو صحبة المعز إذ وجد مقتولا بجانب البحر. وقال ابن خلكان: لما توجه المعز إلى الديار المصرية شيعه ابن هانئ ورجع إلى المغرب لاخذ عياله والالتحاق به فتجهز وتبعه ولما وصل إلى برقة أضافه شخص من أهلها فأقام عنده في مجلس الأنس فيقال انهم عربدوا عليه فقتلوه وقيل خرج من تلك الدار وهو سكران فنام في الطريق وأصبح ميتا ولم يعرف سبب موته وقيل إنه وجد في سانية من سواني برقة مخنوقا بتكة سراويله وكان ذلك بكرة الأربعاء لسبع ليال بقيت من رجب سنة 362 كما وجدته في كتاب لطيف لأبي علي الحسن بن رشيق القيرواني. وقال لسان الدين ابن الخطيب انه لما توجه إلى مصر شرب ببرقة وسكر ونام عريانا وكان البرد شديدا ففلج وقال شارح ديوانه الدكتور زاهد علي الهندي المعاصر: الأغلب ان قول ابن خلكان من قتله مخنوقا بتكة سراويله في سانية من سواني برقة هو الصواب وهو الذي اتفق عليه ابن الأثير وأبو الفداء وابن خلدون ويؤيده ان بني أمية كانوا من أعدائه وانهم بذلوا ما في وسعهم واستفرغوا مجهودهم في منعهم إياه عن الوصول إلى المعز فلا يبعد ان يكون بعضهم قد استعمل الحيلة في قتله بانزاله معه ضيفا وفتكه به قال ابن الأثير في الكامل ان المعز سار من إفريقية يريد الديار المصرية وكان أول مسيره أواخر شوال سنة 361 وكان أول رحيله من المنصورية فأقام بسردانية قرية قريبة من القيروان ولحقه بها رجاله وعماله وأهل بيته واستعمل العمال على بلاد إفريقية فأقام بسردانية أربعة أشهر حتى فرع من جميع ما يريد ثم رحل عنها فلما وصل إلى برقة ومعه محمد بن هانئ قتل غيلة فرئي ملقى على جانب البحر قتيلا لا يدري من قتله وكان قتله أواخر رجب سنة 362 اه ومن ذلك رجحنا ان قتله سنة 62 لا سنة 61 إما قتله في صحبة المعز أو في أثناء رجوعه عنه لاخذ عياله ففيه خلاف والذي صوبه شارح ديوانه انه ودع المعز ورجع إلى المغرب لاخذ عياله والالتحاق به فتجهز وتبعه فقتل ببرقة في مسيره إلى المعز يدل على ذلك عنفوان بعض قصائده وهو هكذا في جميع النسخ: وقال يمدح المعز وبعث بها إليه بالقاهرة والناظم بالمغرب:
أصاخت فقالت وقع اجرد شيظم * وشامت فقالت لمع أبيض مخذم وهي تشتمل على أشد التهديد وأكبر الوعيد لبني أمية بالأندلس ولبني العباس ببغداد وقد وصف ضعف خلفائهم وغفلتهم عن تدبير بلادهم واهمالهم لضبط أمورها وغضبهم لحقوق بني فاطمة كما ابن قوة الخلافة الفاطمية واستفحال امرها وتوسع دائرتها يوما فيوما بفتح البلاد العظيمة كمصر والشام فيظن ان هذه القصيدة لما شاعت شقت على اضداد الخلافة الفاطمية وساءتهم فأغرتهم بقتله وحرضتهم على الفتك به تصريحه بالتشيع في شعره وما نقموا الا قديم تشيعي * فنجى هزيرا شده المتدارك نصحت الإمام الحق لما عرفته * وما النصح الا ان يكون التشيع لي صارم وهو شيعي كحامله * يكاد يسبق كراتي إلى البطل إذا العز معز الدين سلطه * لم يرتقب بالمنايا مدة الاجل وله في القصيدة التي أولها:
تقول بنو العباس فتحت مصر * فقل لبني العباس قد قضي الامر وقد جاوز الإسكندرية جوهر * تطالعه البشرى ويقدمه النصر يقول فيها:
فكل امامي يجئ كأنما * على خده الشعري وفي وجهه البدر وهو القائل في إحدى قصائده: وهل رأيت أديبا غير شيعي شعره من قصائد ابن هانئ الجامعة بين الطول وغاية الجودة والدلالة على التشيع قصيدته الميمية التي يمدح فيها المعز لدين الله الفاطمي وهي آخر قصائده بعث بها إليه بالقاهرة والناظم بالمغرب وهي مائتا بيت كاملة كلها غرر وننتخب منها أبياتا نثبتها هنا فمنها:
يعز على الحسناء ان أطأ القنا * واعثر في ذيل الخميس العرموم وبين حصى الياقوت لبات خائف * حبيب إليه لو توسد معصمي ومما شجاني في العلاقة انني * شربت زعافا قاتلا لذ في فمي رميت بسهم لم يصب وأصابني * فألقيت قوسي عن يدي وأسهمي فلو انني أستطيع أثقلت خدرها * بما فوق رايات المعز من الدم لها العذبات الحمر تهفو كأنها * حواشي بروق أو ذوائب أنجم يقدمها للطعن كل شمردل * على كل خوار العنان مطهم ومتصل بين الاله وبينه * ممر من الأسباب لم يتصرم مقلد مضاء من الحق صارم * ووارث مسطور من الآي محكم امام هدى ما التف ثوب نبوة * على ابن نبي منه بالله اعلم ولا بسطت أيدي العفاة بنانها * إلى أريحي منه اندى وأكرم وأنت بدأت الصفح عن كل مذنب * وأنت سننت العفو عن كل مجرم قصاراك ملك الأرض لا ما يرونه * من الحظ فيها والنصيب المعشم