وفي الضحى جئنا أبا كمال * ضد المسمى بل أبا الأهوال وفيه قوم من صخور خلقوا * وهم عن الوحوش لم يفترقوا وفيه مأمور يرد الساري * عن قصده لسائر الأمصار وما به شئ من الأشياء * يلزم للانسان غير الماء فلا سقاه صيب الغمام * ولا الذي فيه من الأنام فكم غليظ الوجه والطباع * منبته في أخبث البقاع فشكله قذى على النواظر * غم على القلوب والضمائر وفيه ظلما قد بقينا مده * ستة أيام بأي شده ثم ارتحلنا ثامن الليالي * على مصاعيب من البغال نطوي قفار البيد والموامي * ومهجتي تلهب في اوام وفي الضحى حط الرحال الركب * بمربع فيه فريق عرب والعصر صرنا نقطع القفارا * حتى اتى الليل وقد أنارا ومنذ غاب القمر المنير * عنا نزلنا وانتهى المسير وريثما كانوا نياما رحلوا * وفي الميادين ضحى قد نزلوا وهي على ماء الفرات عالية * في هضبة حوت كلابا عاويه والعصر صرنا وزناد البعد * يقدح في الأحشاء نار الوجد والليل بالبدر أتانا مقبلا * فطاب مسرانا إلى أن أفلا والركب قد مالوا على الركائب * تشق فيهم ظلمة الغياهب ثم نزلنا بمكان لم نجد * به سوى المانع للذي يفد فقال مهلا فانزلوا فخيموا * هنا بأمر جاء ممن يحكم فلم نجد من النزول بدا * وازداد قلبي لوعة ووقدا وقد أقمنا فيه سبعة على * بؤس من الكرب الذي قد نزلا في موضع قفر من السكان * ما فيه ما يلزم للانسان الا غبار دائم وريح * عاصفة زاد بها التبريح بين أناس شأنهم شرب العرق * لا سيما القاضي عليه ما استحق ثم ارتحلنا ودخلنا الديرا * ولم ننل شرا به وخيرا هواؤه معتدل رقيق * وربعه مرتبع أنيق وقد خرجنا منه نبتغي حلب * عصرا وقد زال عن الركب التعب واقبل الغروب والبدر ظهر * كوجه رود احمر من النظر وعلقت اهدابي الأعالي * بالنجم أبكي سالف الليالي وطارت الشهب إلى السماء * من نفسي في ليلة الاحياء ذكرت أوقاتي بها في كربلاء * رب العلى ما بين أرباب العلى ثم نزلنا منزلا قد اقفرا * به توجهت لسيد الورى وبعد ما ناموا قليلا رحلوا * ومن الضحى عند الفرات نزلوا فخيموا بها وعصرا قوضوا * عنه وللركاب كلا نهضوا وجشموها قطع طامس الصوى * من الفيافي فأذابها الطوى تخدي بهم في الهضب والسهوب * ضمر وقد ضجت من اللغوب ولم نزل نسري بضوء القمر * ليلا وقد رق نسيم السحر يحمل من ارض الحمى أرواحا * يحيي بها النفوس والارواحا ومذ أتينا الماء قبل الفجر * ألقوا عصا السير بجنب النهر وقد هووا صرعى من الأنضاء * من شدة الادلاج والاسراء وعند ما أشرقت الشمس علوا * على المطايا وحثيثا قد سروا وهم يجوبون من البقاع * أحزنها من سهل أو تلاع والظهر قد عجنا على فريق * في جانب الفرات بالطريق وما سقونا غير مذق من لبن * لكن باغلى قيمة من الثمن وعرسوا ثم سروا صباحا * جابوا هضاب الأرض والبطاحا وقد أراحوا العيس عند العصر * بمنزل على الفرات قفر به بقينا ليلة في وجل * من سطوة الليث بذاك المنزل وحين عمر الليل اضحى يذهب * نادى منادي الركب هاؤم اركبوا ثم سروا ينتهبون التربا * ويقطعون البيد حزنا سهبا وحينما جاء الزوال ضربوا * خيامهم وفي المكان عرب وما أتونا بسوى المخيض * فليتهم في النار بالحضيض وقربهم أبو هريرة دفن * والامر في مدفنه لم يستبن وقد بقينا ليلة ومذ دنا * ان يطلع الفجر قصدنا مسكنا وما برحنا في الفيافي نسري * حتى أتيناها قبيل الظهر وهي لعمري اسم بلا مسمى * بها الفرات قد طمى خضما منها فقدنا سائغ الفرات * وماؤه كان من الحياة وأوجفوا ليلا على الرحال * والخيل والحمير والبغال وغرد الحادي ومذ طال السرى * مالوا نشاوى قد سقاهم الكرى ومذ مضى النهار والليل انقضى * عارضنا فريق عرب قوضا يحدون خمصا ضمرا وقودا * أشاعثا خمصا تشق البيدا يحملن أقمارا على الحدائج * أنجما تزهر في الهوادج وفي الضحى جئنا إلى نهر الذهب * وهو مكان ناضر لدى العرب كسته أيدي السحب روضا أخضر * من سندس ومطرفا محبرا وقد بقينا فيه للعشاء * ثم ارتحلنا في دجى الظلماء ومن كلامه في المواعظ قوله:
اعلم أن ترقي المؤمن في الدرجات العالية والقرب من الله تعالى يدور مدار الايمان بالله جل جلاله وبالنبي ص وبالأئمة ع مصحوبا ذلك بحسن الأخلاق وصفاء الباطن وطيب السريرة فلا تتوهم ان العمل الصالح يصلح بدون حسن الخلق وتهذيبه وتصفية القلب بل لا يزال الإنسان يعمل العمل الصالح فيأتي الخلق السئ فيفسده كما يفسد الخل العسل والمراد بالخلق الحسن هو التخلق بالأخلاق التي أدب الله بها عباده على لسان نبيه ص وهي الصفات التي أمر بها القرآن الشريف واخبار الأئمة الطاهرين س فمن اخذ بها فقد اخذ بحظ وافر ومن غرته نفسه الامارة فاعرض عنها فسعيه خاسر وما يلقاها الا الذين صبروا وما يلقاها الا ذو حظ عظيم و ربما تخيل الإنسان انه صالح كامل مهذب عاقل فتلقيه أخلاقه في الدرك الأسفل من النار وذلك هو الخسران المبين ومن أراد معرفة ذلك وانه مؤمن كامل فليفتش نفسه أ هي سلمة من أدناس العيوب واعراض الخطايا والذنوب وليطبق أعماله على الأوامر الآلهية والسنة الشريفة النبوية فهل يجدها مطابقة لها أولا فان وجدها مطابقة فليدع الله ربه بدوامها والتوفيق لبقائها والا كان من الخاسرين ونفسه تموه عليه انه من الصالحين فيجب حينئذ ان يبكي على نفسه قبل ان يسكن في رمسه ويصرف نفسه بكمال التوجه والاقبال إلى حضرة ذي الجلال فلعله تدركه الرحمة وتشمله النعمة. وفي الخبر من تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا ومن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا فتأمل في كمال رحمته وشدة عنايته بعبده فإنه جل جلاله يتقرب إلى العبد بأزيد مما تقرب إليه وأنه يقول قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا فإذا الغني المطلق تعالى شانه يدعوك إلى نفسه بان تتوجه إليه وتقبل عليه فكيف