ومن بلاياك وإن عبت به * شباب حبي وعذاري الأشهب غدرك والخمسون أي روضة * قشيبة بينهما لا تجدب وقد عاش مهيار بعد ذلك أحد عشر عاما، فيكون مجموع عمره إحدى وستين سنة. (1) أما نسبته الديلمي فإنها ترجع إلى الأرض التي عاش فيها والتي يسكنها بنو جلدته، وقد قال ياقوت: ان الديلم ينسبون إلى أرضهم بهذا الاسم لا إلى أب لهم. وجاء في تحفة العجائب لابن الأثير: جبال الديلم منيعة يتحصنون بها وهي كثيرة الغياض والشجر والمطر وهي جبال في نهاية الخصب. وذكر ابن خلدون، ان بلاد الديلم كانت الجبال وما يليها مثل طبرستان وجرجان وآمد ولعل أهم حادث أثر في شخصيته وشاعريته على حد سواء، هو اتصاله بالشريف الرضي. والشريف يومذاك حجة الأدباء والاشراف. تولى والده نقابة الأشراف مدة من الزمن، وكان له الفضل الأكبر في إخماد الكثير من الثورات الشعبية بما له من هيبة في النفوس تتضاءل عندها هيبة الخلفاء يومئذ والأمراء الحاكمين. ولعب دورا كبيرا أيضا في فصم الخلاف بين امراء الأسرة البويهية. وبكلمة موجزة، لقد كانت له مهابة عظمي في النفوس، وكان يكتنفه الشرف من سائر جنباته.
ونشأ ولده الشريف الرضي على سيرته فخلفه في نقابة الطالبيين وامارة الحج.
وكان الشريف كريما محبوبا، فاثر في نفس مهيار، وكان لا يزال بعد في العقد الثاني من عمره فتاثره في مذاهبه الشعرية والفكرية والدينية أيضا.
نتبين ذلك جليا في بعض أبياته. قال الشريف في مدح والده:
طلوع هداه! إلينا المغيب * ويوم تمزق عنه الخطوب لقيتك في صدره شاحبا * ومن حلية العربي الشحوب وقال مهيار يمدح شبيبا بن حماد بن مزيد:
وعلامة العربي دهمة وجهه * ومن الوجوه البيض غير حسيب والبدر أشرف طالع في أفقه * وبياضه المرموق فوق شحوب ولم يقتصر هذا التأثر على الألفاظ وحسب، بل تعداه إلى الموضوعات أيضا. وإن قصر التلميذ عن مجاراة أستاذه في ميدان الصناعة الشعرية، فقد فاقه في أكثر الأحيان في طول النفس الشعري.
وبقي مهيار عائشا في كنف أستاذه الشريف إلى أن لاقي الشريف ربه عام 406 ه. وكان طوال حياته الحامي الأمين لمهيار. ولقد أحس شاعرنا بالفجيعة، فمضى يرثي أستاذه بشعر رقيق، لا بل من أرق ما قال. وقد رثاه في مناسبات عديدة. قال في إحدى مرثياته:
أقريش، لا لفم أراك ولا يد * فتواكلي غاض الندى وخلا الندي بكر النعي فقال: أردي خيرها * إن كان يصدق فالشريف هو الردى وبقي بعد ذلك التاريخ يمدح الملوك والامراء أكثر من عشرين عاما.
ولعل بني عبد الرحيم كانوا أكثر حظوة من مدائحه. فقد خصهم بقسم كبير من قصائده. وكانت أجود مدائحه فيهم. وكان الصاحب أبو القاسم ابن عبد الرحيم نقيب النقباء على جيوش الأتراك في جميع انحاء الدولة، وهو مركز له خطره وكان بنوه فرسا متشيعين يعطفون على مهيار فأجاد في مدحهم.
والممدوح الآخر الذي نال من الحظوة نصيبا كبيرا في مدائح مهيار هو أبو طالب محمد بن أيوب. وكان قد استوزره الخليفة القادر بالله سنة 381 422 ه ومن بعده وزر لابنه الخليفة القائم بأمر الله فاظهر في خدمة الخليفتين كفاية واخلاصا إما سائر الممدوحين فهم كثر منهم: أبو نصر سابور وأبو الحسين الهماني، وفخر الملك أبو غالب، وأبو منصور بن المزرع. وعميد الدولة أبو طالب ومحمد علي بن الطيب، وكثيرون غيرهم.
وهناك ظاهرة لا بد من الإشارة إليها، وهي ان مهيار لم يمدح أحدا من الخلفاء العباسيين، وهذا ما نستغربه لأن أكثر الشعراء الذين مدحوا، كانوا يقفون مدائحهم على الخلفاء. وهناك ظاهرة أخرى عجيبة أيضا هي ان ديوان مهيار على ضخامته لا يحوي مدحا لملك بويهي الا ما كان من مدح ركن الدين شاهنشاه جلال الدولة بن بهاء الدولة الذي ولي الاحكام عام 418 ه فكان هذا الملك هو الوحيد من بني بويه الذي ظفر بمدائح مهيار.
وهكذا بعد فترة تبلغ عشرين عاما بعد وفاة الشريف عاش مهيار كأنه رجل الأدب دون منازع، إلى أن قبض سنة 428 ه ديوانه مهيار شاعر غزير المادة قل من جاراه من شعراء العربية في كثرة النظم وفي الاسهاب في منظوماته. لا أستطيع ان أتمثل له ندا سوى ابن الرومي، وإن كان ابن الرومي يقصر عنه في بعض الأحيان، ولا يجاريه في الاسهاب والتطويل. وقد كان له من قوة الطبع فيه خير رافد على الاكثار من النظم والتطويل ما أمكن. وعلى هذا فقد كانت بعض قصائده تقارب الثلاثمائة من الأبيات. وهكذا تجمع لدينا ديوان ضخم من شعره ظهر مطبوعا في أربعة اجزاء من القطع الكبير 28. 18 سم. وقد جمع هذا الديوان بين دفتيه ما يقرب من واحد وعشرين ألفا من الأبيات 20969 موزعة في أربعمائة قصيدة تقريبا 409. وقد وزعت هذه الأبيات والقصائد في سائر اجزاء الديوان على الشكل التالي:
الجزء الأول يحتوي على ماية وقصيدتين تحوي خمسة آلاف وتسع ماية وخمسة أبيات. ويتكون من أربعمائة وست وعشرين صفحة.
الجزء الثاني: يحتوي على ماية وخمس وخمسين قصيدة تحوي ستة آلاف ومائة وبيتين. ويقع في ثلاثمائة وثلاث وسبعين صفحة.
الجزء الثالث: يحتوي على خمس وتسعين قصيدة تحوي خمسة آلاف وسبعماية وستة وتسعين بيتا. ويقع في ثلاثمائة وسبعين صفحة.