يكن أحد يتجاسر أن ينقل ملء كف خمر إلى دمشق إلا بالحيلة الخفية، فجزى الله العادل خيرا، ولا جزى المعظم خيرا على ما فعل، واعتذر المعظم في ذلك بأنه إنما صنع هذا المنكر لقلة الأموال على الجند، واحتياجهم إلى النفقات في قتال الفرنج. وهذا من جهله وقلة دينه وعدم معرفته بالأمور، فإن هذا الصنيع يديل عليهم الأعداء وينصرهم عليهم، ويتمكن منهم الداء ويثبط الجند عن القتال، فيولون بسببه الادبار، وهذا مما يدمر ويخرب الديار ويديل الدول، كما في الأثر " إذا عصاني من يعرفني سلطت عليه من لا يعرفني ". وهذا ظاهر لا يخفى على فطن.
وممن توفي فيها من الأعيان:
القاضي شرف الدين أبو طالب عبد الله بن زين القضاة عبد الرحمن بن سلطان بن يحيى اللخمي الضرير البغدادي، كان ينسب إلى علم الأوائل، ولكنه كان يتستر بمذهب الظاهرية، قال فيه ابن الساعي: الداودي المذهب، المعري أدبا واعتقادا، ومن شعره:
إلى الرحمن أشكو ما ألافي * غداة عدوا على هوج النياق سألتكم بمن زم المطايا * أمر بكم أمر من الفراق؟
وهل ذل أشد من التنائي * وهل عيش ألذ من التلاق؟
قاضي قضاة بغداد.
عماد الدين أبو القاسم عبد الله بن الحسين بن الدامغاني الحنفي، سمع الحديث وتفقه على مذهب أبي حنيفة، وولي القضاء ببغداد مرتين نحوا من أربع عشرة سنة، وكان مشكور السيرة عارفا بالحساب والفرائض وقسمة التركات.
أبو اليمن نجاح بن عبد الله الحبشي السوداني نجم الدين مولى الخليفة الناصر، كان يسمى سلمان دار الخلافة، وكان لا يفارق الخليفة، فلما مات وجد عليه الخليفة وجدا كثيرا، وكان يوم جنازته يوما مشهودا، كان بين يدي نعشه مائة بقرة وألف شاة وأحمال من التمر والخبز والماورد، وقد صلى عليه الخليفة بنفسه تحت التاج، وتصدق عنه بعشرة آلاف دينار على المشاهد، ومثلها على المجاورين بالحرمين، وأعتق مماليكه ووقف عنه خمسمائة مجلد.