حصل منهم من الأموال والكرامات ما ابتنى به المدرسة الجوزية بالنشابين بدمشق، وما أوقف عليها، ثم حصل له من سائر الملوك أموالا جزيلة، ثم صار أستاذ دار الخليفة المستعصم في سنة أربعين وستمائة، واستمر مباشرها إلى أن قتل مع الخليفة عام هارون تركي بن جنكيز خان (1)، وكان لأبي الفرج عدة بنات منهن رابعة أم سبطه أبي المظفر بن قزغلي (2) صاحب مرآة الزمان، وهي من أجمع التواريخ وأكثرها فائدة، وقد ذكره ابن خلكان في الوفيات فأثنى عليه وشكر تصانيفه وعلومه.
العماد الكاتب الأصبهاني محمد بن محمد بن حامد بن محمد بن عبد الله بن علي بن محمود بن هبة الله بن أله - بتشديد اللام وضمها -، المعروف بالعماد الكاتب الأصبهاني، صاحب المصنفات والرسائل، وهو قرين القاضي الفاضل، واشتهر في زمنه، ومن اشتهر في زمن الفاضل فهو فاضل، ولد بأصبهان في سنة تسع عشرة وخمسمائة، وقدم بغداد فاشتغل بها على الشيخ أبي منصور سعيد بن الرزاز مدرس النظامية، وسمع الحديث ثم رحل إلى الشام فحظي عند الملك نور الدين محمود بن زنكي، وكتب بين يديه وولاه المدرسة التي أنشأها داخل باب الفرج التي يقال لها العمادية، نسبة إلى سكناه بها وإقامته فيها، وتدريسه بها، لا أنه أنشأها وإنما أنشأها نور الدين محمود، ولم يكن هو أول من درس بها، بل قد سبقه إلى تدريسها غير واحد، كما تقدم في ترجمة نور الدين، ثم صار العماد كاتبا في الدولة الصلاحية وكان الفاضل يثني عليه ويشكره، قالوا: وكان منطوقه يعتريه جمود وفترة، وقريحته في غاية الجودة والحدة، وقد قال القاضي الفاضل لأصحابه يوما: قولوا فتكلموا وشبهوه في هذه الصفة بصفات فلم يقبلها القاضي، وقال: هو كالزناد ظاهره بارد وداخله نار، وله من المصنفات الجريدة جريدة النصر (3) في شعراء العصر، والفتح القدسي، والبرق الشامي وغير ذلك من المصنفات المسجعة، والعبارات المتنوعة والقصائد المطولة. توفي في مستهل رمضان من هذه السنة عن ثمان وسبعين سنة، ودفن بمقابر الصوفية.
الأمير بهاء الدين قراقوش (4) الفحل الخصي، أحد كبار كتاب أمراء الدولة الصلاحية، كان شهما شجاعا فاتكا، تسلم