وإذ لم أمت شوقا إلى ساكن الحمى * فما أنا فيما أدعيه صدوق أيا ربع ليلى ما المحبون في الهوى * سواء، ولا كل الشراب رحيق ولا كل من تلقاه يلقاك قلبه * ولا كل من يحنو إليك مشوق تكاثرت الدعوى على الحب فاستوى * أسير صبابات الهوى وطليق أيها الآمنون، هل فيكم من يصعد إلى السماء؟ أيها المحبوسون في مطامير مسمياتهم، هل فيكم سليم في الفهم يفهم رموز الوحوش والأطيار؟ هل فيكم موسوي الشوق يقول بلسان شوقه أرني أنظر إليك، فقد طال الانتظار؟ ولما استسقى الناس قال بعد الاستسقاء: لما صعدت إلى الله عز وجل نفس المشتاق بكت آماق الآفاق، وجادت بالدر مرضعة السحاب، وامتص لبن الرحمة رضيع التراب وخرج من أخلاف الغمام نطاف الماء النمير، فاهتزت به الهامدة، وقرت عيون المدر، وتزينت الرياض بالسندس الأخضر، فحبر الصبغ حبرها أحسن تحبير، وانفلق بأنملة الصبا أكمام الأنوار، وانشقت بنفحات أنفاسه جيوب الأزهار، ونطقت أجزاء الكائنات بلغات صفاتها، وعادات عبرها: أيها النائمون تيقظوا، أيها المبعدون تعرضوا (فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى إنه عليه كل شئ قدير) [الروم: 50].
أبو الفتح نصر الله بن هبة الله ابن عبد الباقي بن هبة الله بن الحسين بن يحيى بن صاقعة الغفاري الكناني المصري ثم الدمشقي كان من أخصاء الملك المعظم، وولده الناصر داود، وقد سافر معه إلى بغداد في سنة ثلاث وثلاثين وستمائة، وكان أديبا مليح المحاضرة رحمه الله تعالى. ومن شعره قوله:
ولما أبيتم سادتي عن زيارتي * وعوضتموني بالبعاد عن القرب ولم تسمحوا بالوصل في حال يقظتي * ولم يصطبر عنكم لرقته قلبي نصبت لصيد الطيف جفني حبالة * فأدركت خفض العيش بالنوم والنصب ثم دخلت سنة إحدى وخمسين وستمائة فيها دخل الشيخ نجم الدين البادرائي رسول الخليفة بين صاحب مصر وصاحب الشام، وأصلح بين الجيشين، وكانوا قد اشتد الحرب بينهم ونشبت، وقد مالا الجيش المصري الفرنج ووعدهم أن يسلموا إليهم بيت المقدس إن نصروهم على الشاميين، وجرت خطوب كثيرة، فأصلح بينهم وخلص جماعة من بيوت الملوك من الديار المصرية، منهم أولاد الصالح إسماعيل، وبنت الأشرف وغيرهم من أولاد صاحب حمص وغيرهم، جزاه الله خيرا. وفيها فيما ذكر ابن الساعي كان رجل ببغداد على رأسه زبادي قابسي فزلق فتكسرت ووقف يبكي، فتألم الناس له