هولاكو خان بن تولى (1) خان بن جنكيز خان ملك التتار ابن ملك التتار، وهو والد ملوكهم، والعامة يقولون هو لاوون مثل قلاوون، وقد كان هولاكو ملكا جبارا فاجرا كفارا لعنه الله، قتل من المسلمين شرقا وغربا ما لا يعلم عددهم إلا الذي خلقهم وسيجازيه على ذلك شر الجزاء، كان لا يتقيد بدين من الأديان، وإنما كانت زوجته ظفر خاتون قد تنصرت وكانت تفضل النصارى على سائر الخلق، وكان هو يترامى على محبة المعقولات، ولا يتصور منها شيئا، وكان أهلها من أفراخ الفلاسفة لهم عنده وجاهة ومكانة، وإنما كانت همته في تيسير مملكته وتملك البلاد شيئا فشيئا، حتى أباده الله في هذه السنة، وقيل في سنة ثلاث وستين، ودفن في مدينة تلا، لا رحمه الله، وقام في الملك من بعده ولده أبغا خان وكان أبغا أحد إخوة عشرة ذكور. والله سبحانه أعلم وهو حسبنا ونعم الوكيل.
ثم دخلت سنة خمس وستين وستمائة في يوم الأحد ثاني المحرم توجه الملك الظاهر من دمشق إلى الديار المصرية وصحبته العساكر المنصورة، وقد استولت الدولة الاسلامية على بلاد سيس بكمالها، وعلى كثير من معاقل الفرنج في هذه السنة، وقد أرسل العساكر بين يديه إلى غزة، وعدل هو إلى ناحية الكرك لينظر في أحوالها، فلما كان عند بركة زيزي تصيد هنالك فسقط عن فرسه (2) فانكسرت فخذه، فأقام هناك أياما يتداوى حتى أمكنه أن يركب في المحفة، وسار إلى مصر فبرأت رجله في أثناء الطريق فأمكنه الركوب وحده على الفرس. ودخل القاهرة في أبهة عظيمة، وتجمل هائل، وقد زينت البلد، واحتفل الناس له احتفالا عظيما، وفرحوا بقدومه وعافيته فرحا كثيرا، ثم في رجب (3) منها رجع من القاهرة إلى صفد، وحفر خندقا حول قلعتها وعمل فيه بنفسه وأمرائه وجيشه وأغار على ناحية عكا، فقتل وأسر وغنم وسلم وضربت لذلك البشائر بدمشق. وفي ثاني عشر (4) ربيع الأول صلى الظاهر بالجامع الأزهر الجمعة, ولم يكن تقام به الجمعة من زمن العبيديين إلى هذا الحين، مع أنه أول مسجد بني بالقاهرة، بناه جوهر القائد وأقام فيه الجمعة، فلما بنى الحاكم جامعه حول الجمعة منه إليه، وترك الأزهر لا جمعة فيه فصار في حكم بقية المساجد وشعث حاله وتغيرت أحواله، فأمر السلطان بعمارته وبياضه وإقامة الجمعة وأمر بعمارة جامع الحسينية وكمل في سنة سبع وستين كما سيأتي إن شاء الله تعالى.