القصر لما مات العاضد وعمر سور القاهرة محيطا على مصر أيضا، وانتهى إلى المقسم وهو المكان الذي اقتسمت فيه الصحابة ما غنموا من الديار المصرية، وبنى قلعة الجبل، وكان صلاح الدين سلمه عكا ليعمر فيها أماكن كثيرة فوقع الحصار وهو بها، فلما خرج البدل منها كان هو من جملة من خرج، ثم دخلها ابن المشطوب. وقد ذكر أنه أسر فافتدى نفسه بعشرة آلاف دينار (1)، وعاد إلى صلاح الدين ففرح به فرحا شديدا، ولما توفي في هذه السنة احتاط العادل على تركته وصارت أقطاعه وأملاكه للملك الكامل محمد بن العادل. قال ابن خلكان: وقد نسب إليه أحكام عجيبة، حتى صنف بعضهم (2) جزءا لطيفا سماه كتاب " الفاشوش في أحكام قراقوش "، فذكر أشياء كثيرة جدا، وأظنها موضوعة عليه، فإن الملك صلاح الدين كان يعتمد عليه، فكيف يعتمد على من بهذه المثابة والله أعلم.
مكلبة بن عبد الله المستنجدي كان تركيا عابدا زاهدا، سمع المؤذن وقت السحر وهو ينشد على المنارة:
يا رجال الليل جدوا * رب صوت لا يرد ما يقوم الليل إلا * من له عزم وجد فبكى مكلبة وقال للمؤذن يا مؤذن زدني، فقال:
قد مضى الليل وولى * وحبيبي قد تخلا فصرخ مكلبة صرخة كان فيها حتفه، فأصبح أهل البلد قد اجتمعوا على بابه فالسعيد منهم من وصل إلى نعشه رحمه الله تعالى.
أبو منصور بن أبي بكر بن شجاع المركلسي ببغداد، ويعرف بابن نقطة، كان يدور في أسواق بغداد بالنهار ينشد كان وكان والمواليا، ويسحر الناس في ليالي رمضان، وكان مطبوعا ظريفا خليعا، وكان أخوه الشيخ عبد الغني الزاهد من أكابر الصالحين (3)، له زاوية ببغداد يزار فيها، وكان له أتباع ومريدون، ولا يدخر شيئا يحصل له من الفتوح، تصدق في ليلة بألف دينار وأصحابه صيام لم يدخر منها شيئا لعشائهم، وزوجته أم الخليفة بجارية من خواصها وجهزتها بعشرة آلاف دينار إليه فما حال الحول