وفيها أيضا ترك الأشرف موسى بن العادل لأخيه شهاب الدين غازي ملك خلاط وميافارقين وبلاد أرمينية واعتاض عن ذلك بالرها وسروج، وذلك لاشتغاله عن حفظ تلك النواحي بمساعدة أخيه الكامل ونصرته على الفرنج لعنهم الله تعالى. وفي المحرم منها هبت رياح ببغداد وجاءت بروق وسمعت رعود شديدة وسقطت صاعقة بالجانب الغربي على المنارة المجاورة لعون ومعين فثلمتها، ثم أصلحت، وغارت الصاعقة في الأرض. وفي هذه السنة نصب محراب الحنابلة في الرواق الثالث الغربي من جامع دمشق بعد ممانعة من بعض الناس لهم، ولكن ساعدهم بعض الامراء في نصبه لهم، وهو الأمير ركن الدين المعظمي، وصلى فيه الشيخ موفق الدين بن قدامة.
قلت: ثم رفع في حدود سنة ثلاثين وسبعمائة وعوضوا عنه بالمحراب الغربي عند باب الزيارة، كما عوض الحنفية عن محرابهم الذي كان في الجانب الغربي من الجامع بالمحراب المجدد لهم شرقي باب الزيارة، حين جدد الحائط الذي هو فيه في الأيام التنكزية، على يدي ناظر الجامع تقي الدين ابن مراجل أثابه الله تعالى كما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى. وفيها قتل صاحب سنجار أخاه فملكها مستقلا بها الملك الأشرف بن العادل. وفيها نافق الأمير عماد الدين بن المشطوب على الملك الأشرف وكان قد آواه وحفظه من أذى أخيه الكامل حين أراد أن يبايع للفائز، ثم إنه سعى في الأرض فسادا في بلاد الجزيرة فسجنه الأشرف حتى مات كمدا وذلا وعذابا (1). وفيها أوقع الكامل بالفرنج الذين على دمياط بأسا شديدا فقتل منهم عشرة آلاف، وأخذ منهم خيولهم وأموالهم ولله الحمد.
وفيها عزل المعظم المعتمد مفاخر الدين إبراهيم عن ولاية دمشق وولاها للعزيز خليل، ولما خرج الحاج إلى مكة شرفها الله تعالى كان أميرهم المعتمد فحصل به خير كثير، وذلك أنه كف عبيد مكة عن نهب الحجاج بعد قتلهم أمير حاج العراقيين أقباش الناصري، وكان من أكبر الامراء عند الخليفة الناصر وأخصهم عنده، وذلك لأنه قدم معه بخلع للأمير حسين بن أبي عزيز قتادة بن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم العلوي الحسني الزيدي بولايته لامرة مكة بعد أبيه، وكانت وفاته في جمادى الأولى من هذه السنة، فنازع في ذلك راجح وهو أكبر أولاد قتادة، وقال لا يتأمر عليها غيري، فوقعت فتنة أفضى الحال إلى قتل أقباش غلطا، وقد كان قتادة من أكابر الاشراف الحسنيين الزيديين وكان عادلا منصفا منعما، نقمة على عبيد مكة والمفسدين بها، ثم عكس هذا السير فظلم وجدد المكوس ونهب الحاج غير مرة فسلط الله عليه ولده حسنا فقتله وقتل عمه وأخاه أيضا، فلهذا لم يمهل الله حسنا أيضا، بل سلبه الملك وشرده في البلاد، وقيل بل قتل كما ذكرنا، وكان قتادة شيخا طويلا مهيبا لا يخاف من أحد من الخلفاء والملوك، ويرى أنه أحق بالامر من كل