نقل إلى دمشق فدفن في تربة أبيه (1) سنة ثمانين وستمائة، وتملك الكرك بعده أخوه نجم الدين خضر وتلقب بالملك المسعود، فانتزعها المنصور من يده كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
ثم دخلت سنة تسع وسبعين وستمائة كان أولها يوم الخميس ثالث أيار، والخليفة الحاكم بأمر الله وملك مصر الملك المنصور قلاوون الصالحي، وبعض بلاد الشام أيضا، وأما دمشق وأعمالها فقد ملكها سنقر الأشقر، وصاحب الكرك الملك المسعود بن الظاهر، وصاحب حماه الملك المنصور ناصر الدين محمد بن الملك المظفر تقي الدين محمود، والعراق وبلاد الجزيرة وخراسان والموصل وإربل وأذربيجان وبلاد بكر وخلاط وما والاها وغير ذلك من البلاد بأيدي التتار، وكذلك بلاد الروم في أيديهم أيضا، ولكن فيها غياث الدين بن ركن الدين، ولا حكم له سوى الاسم، وصاحب اليمن الملك المظفر شمس الدين يوسف بن عمر، وصاحب الحرم الشريف نجم الدين بن أبي نمي الحسني، وصاحب المدينة عز الدين جماز بن شيحه الحسيني.
ففي مستهل السنة المذكورة ركب السلطان الملك الكامل سنقر الأشقر من القلعة إلى الميدان وبين يديه الامراء ومقدمر الحلقة الغاشية، وعليهم الخلع والقضاة والأعيان ركاب معه، فسير في الميدان ساعة ثم رجع إلى القلعة، وجاء إلى خدمته الأمير شرف الدين عيسى بن مهنا ملك العرب، فقبل الأرض بين يديه، وجلس إلى جانبه وهو على السماط، وقام له الكامل، وكذلك جاء إلى خدمته ملك الاعراب بالحجاز، وأمر الكامل سنقر أن تضاف البلاد الحلبية إلى ولاية القاضي شمس الدين بن خلكان، وولاه تدريس الأمينية وانتزعها من ابن سنى الدولة.
ولما بلغ الملك المنصور بالديار المصرية ما كان من أمر سنقر الأشقر بالشام أرسل إليه جيشا كثيفا فهزموا عسكر سنقر الأشقر الذي كان قد أرسله إلى غزة، وساقوهم بين أيديهم حتى وصل جيش المصريين إلى قريب دمشق، فأمر الملك الكامل أن يضرب دهليزه بالجسورة، وذلك في يوم الأربعاء ثاني عشر صفر، ونهض بنفسه وبمن معه فنزل هنالك واستخدم خلقا كثيرا وأنفق أموالا جزيلة، وانضاف إليه عرب الأمير شرف الدين عيسى بن مهنا، وشهاب الدين أحمد بن حجى، وجاءته نجدة حلب ونجدة حماه ورجال كثيرة من رجال بعلبك، فلما كان يوم الأحد السادس عشر من صفر أقبل الجيش المصري صحبة الأمير علم الدين سنجر الحلبي، فلما تراءا الجمعان وتقابل الفريقان تقاتلوا إلى الرابعة في النهار، فقتل نفر كثير وثبت الملك الكامل سنقر الأشقر ثباتا جيدا، ولكن خامر عليه الجيش فمنهم من صار إلى المصري ومنهم من انهزم في كل وجه، وتفرق عنه