الدارة البارة، وقف مدرسة للحنابلة، وقبره بها إلى جانب تربة القاضي المصري في رأس درب الريحان من ناحية الجامع الأموي، وقد ولي نظر الجامع مدة، واستجد أشياء كثيرة منها سوق النحاسين قبلي الجامع، ونقل الصاغة إلى مكانها الآن، وقد كانت قبل ذلك في الصاغة العتيقة، وجدد الدكاكين التي بين أعمدة الزيارة، وثمر الجامع أموالا جزيلة، وكانت له صدقات كثيرة، وذكر عنه أنه كان يعرف صنعة الكيميا وأنه صح معه عمل الفضة، وعندي أن هذا لا يصح ولا يصح عنه والله أعلم.
الشيخ يوسف الأقميني كان يعرف بالأقميني لأنه كان يسكن قمين حمام نور الدين الشهيد، وكان يلبس ثيابا طوالا تحف على الأرض، ويبول في ثيابه، ورأسه مكشوفة، ويزعمون أن له أحوالا وكشوفا كثيرة، وكان كثير من العوام وغيرهم يعتقدون صلاحه وولايته، وذلك لأنهم لا يعلمون شرائط الولاية ولا الصلاح، ولا يعلمون أن الكشوف قد تصدر من البر والفاجر، والمؤمن والكافر، كالرهبان وغيرهم، وكالدجال وابن صياد وغيرهم، فإن الجن تسترق السمع وتلقيه على أذن الانسي، ولا سيما من يكون مجنونا أو غير نقي الثياب من النجاسة، فلا بد من اختبار صاحب الحال بالكتاب والسنة، فمن وافق حاله كتاب الله وسنة رسوله فهو رجل صالح سواء كاشف أو لم يكاشف، ومن لم يوافق فليس برجل صالح سواء كاشف أم لا. قال الشافعي: إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء ويطير في الهواء فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة. ولما مات هذا الرجل دفن بتربة بسفح قاسيون وهي مشهورة به شرقي الرواحية، وهي مزخرفة قد اعتنى بها بعض العوام ممن كان يعتقده، فزخرفها وعمل على قبره حجارة منقوشة بالكتابة، وهذا كله من البدع، وكانت وفاته في سادس شعبان من هذه السنة، وكان الشيخ إبراهيم بن سيعد جيعانة لا يتجاسر فيما يزعم أن يدخل البلد والقميني حي، فيوم مات الأقميني دخلها، وكانت العوام معه فدخلوا دمشق وهم يصيحون ويصرخون أذن لنا في دخول البلد، وهم أتباع كل ناعق لم يستضيئوا بنور العلم، فقيل لجيعانة: ما منعك من دخولها قبل اليوم؟ فقال: كنت كلما جئت إلى باب من أبواب البلد أجد هذا السبع رابضا فيه فلا أستطيع الدخول، وقد كان سكن الشاغور، وهذا كذب واحتيال ومكر وشعبذة، وقد دفن جيعانة عنده في تربته بالسفح والله أعلم بأحوال العباد.
الشمس علي بن الشبي المحدث ناب في الحسبة عن الصدر البكري، وقرأ الكثير بنفسه، وسمع وأسمع، وكتب بخطه كثيرا.