وراء النهر من بلد يقال لها خجندة، واشتغل ودرس بخوارزم، وأعاد ببغداد، ثم قدم دمشق فدرس بالعزية والخاتونية البرانية، وكان فاضلا بارعا منصفا مصنفا في فنون كثيرة، توفي لخمس بقين من ذي الحجة منها، وله ثنتان وستون سنة، ودفن بالصوفية.
الملك المظفر قرا أرسلان الإفريقي، صاحب ماردين (1)، توفي وله ثمانون سنة وقام بعده ولده شمس الدين داود ولقب بالملك السعيد والله سبحانه أعلم.
ثم دخلت سنة ثنتين وتسعين وستمائة في تاريخ ظهير الدين الكازروني ظهرت نار بأرض المدينة النبوية في هذه السنة نظير ما كان في سنة أربع وخمسين على صفتها، إلا أن هذه النار كان يعلو لهيبها كثيرا، وكانت تحرق الصخر ولا تحرق السعف، واستمرت ثلاثة أيام.
استهلت هذه السنة والخليفة الحاكم العباسي وسلطان البلاد الملك الأشرف بن المنصور ونائبه بمصر بدر الدين بيدرا، وبالشام عز الدين أيبك الحموي، وقضاة مصر والشام هم الذين كانوا في التي قبلها، والوزير شمس الدين بن السلعوس. وفي جمادى الآخرة قدم الأشرف دمشق فنزل في القصر الأبلق والميدان الأخضر، وجهز الجيوش وتهيأ لغزو بلاد سيس، وقدم في غضون ذلك رسل صاحب بلاد سيس يطلبون الصلح، فشفع الامراء فيهم فسلموا بهسنا (2) وتل حمدون (3).
ومرعش (4)، وهي أكبر بلادهم وأحسنها وأحصنها، وهي في فم الدربند، ثم ركب السلطان في ثاني رجب نحو سلمية بأكثر الجيش صورة أنه يريد أن يصيب الأمير حسام الدين لاجين، فأضافه الأمير مهنا بن عيسى، فلما انقضت الضيافة أمسك له حسام الدين لاجين، وكان عنده، فجاء به فسجنه في قلعة دمشق وأمسك مهنا بن عيسى وولى مكانه محمد بن علي بن حديثة (5) ثم أرسل السلطان جمهور الجيش بين يديه إلى الديار المصرية صحبة نائبه بيدرا، ووزيره ابن السلعوس، وتأخر هو في خاصكيته ثم لحقهم.