المصري، كان فاضلا بارعا عارفا بالمذهب، متحريا في الاحكام كأبيه، ودفن بالقرافة.
الشيخ إبراهيم بن سعيد الشاغوري الموله المعروف بالجيعانة، كان مشهورا بدمشق، ويذكر له أحوال ومكاشفات على ألسنة العوام ومن لا يعقل، ولم يكن ممن يحافظ على الصلوات ولا يصوم مع الناس، ومع هذا كان كثير من العوام وغيرهم يعتقدونه. توفي يوم الأحد سابع جمادى الأولى ودفن بتربة المولهين بسفح قاسيون عند الشيخ يوسف القيميني، وقد توفي الشيخ يوسف قبله بمدة، وكان الشيخ يوسف يسكن إقمين حمام نور الدين الشهيد بالبزوريين، وكان يجلس على النجاسات والقذر، وكان يلبس ثيابا بداوية تجحف على النجاسات في الأزقة، وكان له قبول من الناس ومحبة وطاعة، وكان العوام يغالون في محبته واعتقاده، وكان لا يصلي ولا يتقي نجاسة، ومن جاءه زائرا جلس عند باب الاقمين على النجاسة، وكان العوام يذكرون له مكاشفات وكرامات، وكل ذلك خرافات من خرافات العوام وأهل الهديان كما يعتقدون ذلك في غيره من المجانين والمولهين. ولما مات الشيخ يوسف القميني خرج خلق في جنازته من العوام وغيرهم، وكانت جنازته حافلة بهم، وجمل على أعناق الرجال إلى سفح قاسيون، وبين يديه غوغاء وغوش كثير وتهليل وأمور لا تجوز من فعل العوام، حتى جاؤوا به إلى تربة المولهين بقاسيون فدفنوه بها، وقد اعتنى بعض العوام بقبره فعمل عليه حجارة منقوشة وعمل على قبره سقفا مقرنصا بالدهان وأنواعه، وعمل عليه مقصورة وأبوابا، وغالى فيه مغالاة زائدة، ومكث هو وجماعة مجاورون عنده مدة في قراءة وتهليل، ويطبخ لهم الطبيخ فيأكلون ويشربون هناك. والمقصود أن الشيخ إبراهيم الجيعانة لما مات الشيخ يوسف الاقميني جاء من الشاغور إلى باب الصغير في جماعة من أتباعه، وهم في صراخ وضجة وغوش كثير، وهم يقولون: أذن لنا في دخول البلد أذن لنا في دخول البلد، يكررون ذلك، فقيل له في ذلك فقال: لي عشرون سنة ما دخلت داخل سور دمشق، لأني كنت كلما أتيت بابا من أبوابها أجد هذا السبع رابضا بالباب فلا أستطيع الدخول خوفا منه، فلما مات أذن لنا في الدخول، وهذا كله ترويج على الطغام والعوام من الهمج الرعاع، الذين هم أتباع كل ناعق. وقيل إن الشيخ يوسف كان يرسل إلى الجيعانة مما يأتيه من الفتوح والله سبحانه أعلم بأحوال العباد، وإليه المنقلب والمآب، وعليه الحساب.
وقد ذكرنا أنه استشهد في وقعة حمص جماعة من الامراء منهم الأمير عز الدين أزدمر السلحداري عن نحو من ستين سنة، وكان من خيار الامراء وله همة عالية ينبغي أن ينال بها مكانا عاليا في الجنة.