ثم دخلت سنة ستين وستمائة في أوائل هذه السنة في ثالث المحرم قتل (1) الخليفة المستنصر بالله الذي بويع له في رجب في السنة الماضية بمصر، وكان قتله بأرض العراق بعد ما هزم من كان معه من الجنود فإنا لله وإنا إليه راجعون، واستقل الملك الظاهر بجميع الشام ومصر وصفت له الأمور، ولم يبق له منازع سوى التركي فإنه ذهب إلى المنيرة (2) فاستحوذ عليها وعصى عليه هنالك. وفي اليوم الثالث من المحرم من هذه السنة خلع السلطان الملك الظاهر ببلاد مصر على جميع الامراء والحاشية وعلى الوزير وعلى القاضي تاج الدين ابن بنت الأعز وعزل عنها برهان الدين السنجاري، وفي أواخر المحرم أعرس الأمير بدر الدين بيليك الخازندار على بنت الأمير لؤلؤ صاحب الموصل، واحتفل الظاهر بهذا العرس احتفالا بالغا.
قال ابن خلكان: وفي هذه السنة اصطاد بعض أمراء الظاهر بحدود حماة حمار وحش فطبخوه فلم ينضج ولا أثر فيه كثرة الوقود، ثم افتقدوا جلده فإذا هو مرسوم على أذنه بهرام جور، قال: وقد أحضروه إلي فقرأته كذلك، وهو يقتضي أن لهذا الحمار قريبا من ثمانمائة سنة، فإن بهرام جور كان قبل المبعث بمدة متطاولة، وحمر الوحش تعيش دهرا طويلا، قلت: يحتمل أن يكون هذا بهرام شاه الملك الأمجد، إذ يبعد بقاء مثل هذا بلا اصطياد هذه المدة الطويلة، ويكون الكاتب قد أخطأ فأراد كتابة بهرام شاه فكتب بهرام جور فحصل اللبس من هذا والله أعلم.
ذكر بيعة الحاكم بأمر الله العباسي في السابع والعشرين من ربيع الآخر (3) دخل الخليفة أبو العباس الحاكم بأمر الله أحمد بن الأمير أبي علي القبي بن الأمير علي بن الأمير أبي بكر بن الإمام المسترشد بالله بن المستظهر بالله أبي العباس أحمد من بلاد الشرق وصحبته جماعة من رؤوس تلك البلاد، وقد شهد الوقعة صحبة المستنصر، وهرب هو في جماعة من المعركة فسلم، فلما كان يوم دخوله تلقاه السلطان الظاهر وأظهر السرور له والاحتفال به، وأنزله في البرج الكبير من قلعة الجبل، وأجريت عليه الأرزاق الدارة والاحسان. وفي ربيع الآخر عزل الملك الظاهر الأمير جمال الدين آقوش النجيبي عن استداريته (4)