العراقي محمد بن العراقي ركن الدين أبو الفضل القزويني، ثم الهمداني، المعروف بالطاووسي، كان بارعا في علم الخلاف والجدل والمناظرة، أخذ علم ذلك عن رضي الدين النيسابوري الحنفي، وصنف في ذلك ثلاث تعاليق قال ابن خلكان: أحسنهن الوسطى، وكانت إليه الرحلة بهمدان، وقد بنى له بعض الحجبة بها مدرسة تعرف بالحاجبية، ويقال إنه منسوب إلى طاووس بن كيسان التابعي فالله أعلم.
ثم دخلت سنة إحدى وستمائة فيها عزل الخليفة ولده محمد الملقب بالظاهر عن ولاية العهد بعد ما خطب له سبع (1) عشرة سنة، وولى العهد ولده الآخر عليا، فمات علي عن قريب فعاد الامر إلى الظاهر، فبويع له بالخلافة بعد أبيه الناصر كما سيأتي في سنة ثلاث وعشرين وستمائة.
وفيها وقع حريق عظيم بدار الخلافة في خزائن السلاح، فاحترق من ذلك شئ كثير من السلاح والأمتعة والمساكن ما يقارب قيمته أربعة آلاف ألف دينار، وشاع خبر هذا الحريق في الناس، فأرسلت الملوك من سائر الأقطار هدايا أسلحة إلى الخليفة عوضا عن ذلك وفوقه من ذلك شيئا كثيرا.
وفيها عاثت الكرج ببلاد المسلمين فقتلوا خلقا، وأسروا آخرين. وفيها وقعت الحرب بين أمير مكة قتادة الحسيني، وبين أمير المدينة سالم بن قاسم الحسيني، وكان قتادة قد قصد المدينة فحصر سالما فيها، فركب إليه سالم بعد ما صلى عند الحجرة فاستنصر الله عليه، ثم برز إليه فكسره وساق وراءه إلى مكة فحصره بها، ثم إن قتادة أرسل إلى أمراء سالم فأفسدهم عليه فكر سالم راجعا إلى المدينة سالما.
وفيها ملك غياث الدين كيخسرو بن قلج أرسلان بن مسعود بن قلج بلاد الروم واستلبها من ابن أخيه، واستقر هو بها وعظم شأنه وقويت شوكته، وكثرت عساكره وأطاعه الامراء وأصحاب الأطراف، وخطب له الأفضل بن صلاح الدين بسميساط، وسار إلى خدمته. واتفق في هذه السنة أن رجلا ببغداد نزل إلى دجلة يسبح فيها وأعطى ثيابه لغلامه فغرق في الماء فوجد في ورقة بعمامته هذه الأبيات:
يا أيها الناس كان لي أمل * قصر بي عن بلوغه الاجل فليتق الله ربه رجل * أمكنه في حياته العمل ما أنا وحدي بفناء بيت * يرى كل إلى مثله سينتقل