والعشرين منه قرئ منشور ولاية القضاء بدمشق لمحيي الدين بن محمد بن علي بن محمد بن يحيى القرشي، بالشباك الكمالي من الجامع، كذا قال الشيخ شهاب الدين أبو شامة. وزعم السبط أن عزله إنما كان في السنة الآتية، وذكر أن سبب هلاكه أنه كتب إلى الملك الصالح يقول له: إنه قد أورد إلى خزانته من الأموال ألف ألف دينار من أموال الناس. فأنكر الصالح ذلك، ورد عليه الجواب أنه لم يرد سوى ألف ألف درهم، فأرسل القاضي يقول فأنا أحاقق الوزير، وكان الصالح لا يخالف الوزير، فأشار حينئذ على الصالح فعزله لتبرأ ساحة السلطان من شناعات الناس، فعزله وكان من أمره ما كان. وفوض أمر مدارسه إلى الشيخ تقي الدين بن الصلاح فعين العادلية للكمال التفليسي، والعذراوية لمحيي الدين بن الزكي الذي ولي القضاء بعده، والأمينية لابن عبد الكافي، والشامية البرانية للتقي الحموي، وغيب القاضي الرفيع وأسقط عدالة شهوده، قال السبط: أرسله الأمين مع جماعة على بغل باكاف لبعض النصارى إلى مغارة أفقه في جبل لبنان من ناحية الساحل، فأقام بها أياما ثم أرسل إليه عدلين من بعلبك ليشهدا عليه ببيع أملاكه من أمين الدولة، فذكر أنهما شاهداه وعليه يخفيفة وقندورة، وأنه استطعمهما شيئا من الزاد وذكر أن له ثلاثة أيام لم يأكل شيئا، فأطعماه من زوادتهما وشهدا عليه وانصرفا، ثم جاءه داود النصراني فقال له قم فقد أمرنا بحملك إلى بعلبك، فأيقن بالهلاك حينئذ، فقال دعوني أصلي ركعتين، فقال له:
قم، فقام يصلي فأطال الصلاة فرفسه النصراني فألقاه من رأس الجبل إلى أسفل الوادي الذي هناك، فما وصل حتى تقطع، وحكي أنه تعلق ذيله بسن الجبل فما زال داود يرميه بالحجارة حتى ألقاه إلى أسفل الوادي، وذلك عند السقيف المطل على نهر إبراهيم. قال السبط: وقد كان فاسد العقيدة دهريا مستهزئا بأمور الشرع، يخرج إلى المجلس سكرانا ويحضر إلى الجمعة كذلك، وكانت داره كالحانات. فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم قال: وأخذ الموفق الواسطي أحد أمنائه - وكان من أكبر البلايا - أخذ لنفسه من أموال الناس ستمائة ألف درهم، فعوقب عقوبة عظيمة حتى أخذت منه، وقد كسرت ساقاه ومات تحت الضرب، فألقي في مقابر اليهود والنصارى، وأكلته الكلاب.
وممن توفي فيها من الأعيان:
الشيخ شمس الدين أبو الفتوح أسعد بن المنجى التنوخي المعري الحنبلي، قاضي حران قديما، ثم قدم دمشق ودرس بالمسمارية وتولى خدما في الدولة المعظمية، وكانت له رواية عن ابن صابر والقاضيين الشهرزوري وابن أبي عصرون، وكانت وفاته في سابع ربيع الأول من هذه السنة رحمه الله تعالى.