علي بن الخليفة المهتدي بالله العباسي، كان من سادات العباسيين وأئمة المسلمين، وخطباء المؤمنين، استمرت أحواله على السداد والصلاح، لم ينقطع قط عن الخطابة ولم يمرض قط حتى كانت ليلة السبت الثامن والعشرين من هذه السنة، قام في أثناء الليل لبعض حاجاته فسقط على أم رأسه، فسقط من فمه دم كثير وسكت فلم ينطق كلمة واحدة يومه ذلك إلى الليل، فمات وكانت له جنازة حافلة رحمه الله تعالى وعفا عنه بمنه وكرمه.
ثم دخلت سنة ثلاث وأربعين وستمائة وهي سنة الخوارزمية، وذلك أن الصالح أيوب بن الكامل صاحب مصر بعث الخوارزمية ومعهم ملكهم بركات خان في صحبة معين الدين ابن الشيخ، فأحاطوا بدمشق يحاصرون عمه الصالح أبا الجيش صاحب دمشق، وحرق قصر حجاج، وحكر السماق، وجامع جراح خارج باب الصغير، ومساجد كثيرة، ونصب المنجنيق عند باب الصغير وعند باب الجابية، ونصب من داخل البلد منجنيقان أيضا، وتراءى الفريقان وأرسل الصالح إسماعيل إلى الأمير معين الدين بن الشيخ بسجادة وعكاز وإبريق وأرسل يقول: اشتغالك بهذا أولى من اشتغالك بمحاصرة الملوك، فأرسل إليه المعين بزمر وجنك وغلالة حرير أحمر أصفر، وأرسل يقول له: أما السجادة فإنها تصلح لي، وأما أنت فهذا أولى بك. ثم أصبح ابن الشيخ فاشتد الحصار بدمشق، وأرسل الصالح إسماعيل فأحرق جوسق قصر والده العادل، وامتد الحريق في زقاق الرمان إلى العقيبة فأحرقت بأسرها، وقطعت الأنهار وغلت الأسعار، وأخيفت الطرق وجرى بدمشق أمور بشعة جدا، لم يتم عليها قط، وامتد الحصار شهورا من هذه السنة إلى جمادى الأولى، فأرسل أمين الدولة يطلب من ابن الشيخ شيئا من ملابسه، فأرسل إليه بفرجية وعمامة وقميص ومنديل، فلبس ذلك الأمين وخرج إلى معين الدين، فاجتمع به بعد العشاء طويلا، ثم عاد ثم خرج مرة أخرى فاتفق الحال على أن يخرج الصالح إسماعيل إلى بعلبك ويسلم دمشق إلى الصالح أيوب، فاستبشر الناس بذلك وأصبح الصالح إسماعيل خارجا إلى بعلبك ودخل معين الدين بن الشيخ فنزل في دار أسامة، فولى وعزل وقطع ووصل، وفوض قضاء القضاة إلى صدر الدين بن سنى الدولة، وعزل القاضي محيي الدين بن الزكي، واستناب ابن سنى الدولة التفليسي الذي ناب لابن الزكي والفرز السنجاري، وأرسل معين الدين بن الشيخ أمين الدولة غزال بن المسلماني وزير الصالح إسماعيل تحت الحوطة إلى الديار المصرية.
وأما الخوارزمية فإنهم لم يكونوا حاضرين وقت الصلح، فلما علموا بوقوع الصلح غضبوا وساروا نحو داريا فنهبوها وساقوا نحو بلاد الشرق، وكاتبوا الصالح إسماعيل فحالفوه على الصالح أيوب، ففرح بذلك ونقض الصلح الذي كان وقع منه، وعادت الخوارزمية فحاصروا دمشق، وجاء إليهم الصالح إسماعيل من بعلبك فضاق الحال على الدماشقة، فعدمت الأموال وغلت