وعمل عزاء ولدها يوم الحادي والعشرين من ربيع الآخر بالتربة المذكورة، وحضر السلطان المنصور وأرباب الدولة والقراء والوعاظ.
وفي أواخر ربيع الآخر عزل التقي بن توبة التكريتي من الوزارة بدمشق وباشرها بعده تاج الدين السهنوري، وكتب السلطان المنصور إلى مصر وغيرها من البلاد يستدعي الجيوش لأجل اقتراب مجئ التتار، فدخل أحمد بن حجى ومعه بشر كثير من الاعراب، وجاء صاحب الكرك الملك المسعود نجدة للسلطان يوم السبت الثاني عشر من جمادى الآخرة، وقدم الناس عليه ووفدوا إليه من كل مكان، وجاءته التركمان والاعراب وغيرهم، وكثرت الأراجيف بدمشق، وكثرت العساكر بها وجفل الناس من بلاد حلب وتلك النواحي، وتركوا الغلات والأموال خوفا من أن يدهمهم العدو من التتار، ووصلت التتر صحبة منكوتمر بن هولاكو إلى عنتاب، وسارت العساكر المنصورة إلى نواحي حلب يتبع بعضها بعضا، ونازلت التتار بالرحبة في أواخر جمادى الآخر جماعة من الاعراب، وكان فيهم ملك التتار إبغا مختفيا ينظر ماذا يفعل أصحابه، وكيف يقاتلون أعداءه، ثم خرج المنصور من دمشق وكان خروجه منها في أواخر جمادى وقنت الخطباء والأئمة بالجوامع والمساجد في الصلوات وغيرها، وجاء مرسوم من السلطان باستسلام أهل الذمة من الدواوين والكتبة. ومن لا يسلم يصلب، فأسلموا كرها، وكانوا يقولون آمنا وحكم الحاكم بإسلامنا بعد أن عرض من امتنع منهم على الصلب بسوق الخيل، وجعلت الحبال في أعناقهم، فأجابوا والحالة هذه، ولما انتهى الملك المنصور إلى حمص كتب إلى الملك الكامل سنقر الأشقر يطلبه إليه نجدة فجاء إلى خدمته فأكرمه السلطان واحترمه ورتب له الإقامات، وتكاملت الجيوش كلها في صحبة الملك المنصور عازمين على لقاء العدو لا محالة مخلصين في ذلك، واجتمع الناس بعد خروج الملك في جامع دمشق ووضعوا المصحف العثماني بين أيديهم، وجعلوا يبتهلون إلى الله تعالى في نصرة الاسلام وأهله على الأعداء، وخرجوا كذلك والمصحف على رؤوسهم إلى المصلى يدعون ويبتهلون ويبكون، وأقبلت التتار قليلا قليلا فلما وصلوا حماه أحرقوا بستان الملك وقصره وما هنالك من المساكن، والسلطان المنصور مخيم بحمص في عساكر من الأتراك والتركمان وغيرهم جحفل كثير جدا، وأقبلت التتار في مائة ألف (1) مقاتل أو يزيدون، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وقعة حمص لما كان يوم الخميس رابع عشر رجب التقى الجمعان وتواجه الخصمان عند طلوع الشمس وعسكر التتر في مائة ألف فارس، وعسكر المسلمين على النصف من ذلك أو يزيد قليلا، والجميع