فضل الدين الخونجي (1) الحكيم المنطقي البارع في ذلك، وكان مع ذلك جيد السيرة في أحكامه. قال أبو شامة:
أثنى عليه غير واحد.
علي بن يحيى جمال الدين أبو الحسن المحرمي كان شابا فاضلا أديبا شاعرا ماهرا، صنف كتابا مختصرا وجيزا جامعا لفنون كثيرة في الرياضة والعقل وذم الهوى، وسماه نتائج الأفكار. قال فيه من الكلم المستفادة الحكمية:
السلطان إمام متبوع، ودين مشروع، فإن ظلم جارت الحكام لظلمه، وإن عدل لم يجر أحد في حكمه، من مكنه الله في أرضه وبلاده وأئتمنه على خلقه وعباده، وبسط يده وسلطانه، ورفع محله ومكانه، فحقيق عليه أن يؤدي الأمانة، ويخلص الديانة، ويجمل السريرة، ويحسن السيرة، ويجعل العدل دأبه المعهود، والاجر غرضه المقصود، فالظلم يزل القدم، ويزيل النعم، ويجلب الفقر، ويهلك الأمم. وقال أيضا: معارضة الطبيب توجب التعذيب، رب حيلة أنفع من قبيلة، سمين الغضب مهزول، ووالي الغدر معزول، قلوب الحكماء تستشف الاسرار من لمحات الابصار، أرض من أخيك في ولايته بعشر ما كنت تعهده في مودته، التواضع من مصائد الشرف، ما أحسن حسن الظن لولا أن فيه العجز. ما أقبح سوء الظن لولا أن فيه الحزم. وذكر في غضون كلامه: أن خادما لعبد الله بن عمر أذنب فأراد ابن عمر أن يعاقبه على ذنبه فقال: يا سيدي أما لك ذنب تخاف من الله فيه؟ قال: بلى، قال بالذي أمهلك لما أمهلتني، ثم أذنب العبد ثانيا فأراد عقوبته فقال له مثل ذلك فعفا عنه، ثم أذنب الثالثة فعاقبه وهو لا يتكلم فقال له ابن عمر: ما لك لم تقل مثل ما قلت في الأولتين؟ فقال: يا سيدي حياء من حلمك مع تكرار جرمي. فبكى ابن عمر وقال: أنا أحق بالحياء من ربي، أنت حر لوجه الله تعالى. ومن شعره يمدح الخليفة:
يا من إذا بخل السحاب بمائه * هطلت يداه على البرية عسجدا جورت كسرى يا مبخل حاتم * فغدت بنو الآمال نحوك سجدا وقد أورد له ابن الساعي أشعارا كثيرة حسنة رحمه الله تعالى.