المكروه أليمة، وإذا محاسن الوجه بليت تعفى الثرى عن وجهه الحسن، وكانت مدة مرضه بعد عوده من الفيوم أسبوعين، وكانت في الساعة السابعة من ليلة الأحد والعشرين من المحرم، والمملوك في حال تسطيرها مجموع بين مرض القلب والجسد، ووجع أطراف وعلة كبد، وقد فجع بهذا المولى والعهد بوالده غير بعيد، والأسى عليه في كل يوم جديد ". ولما توفي العزيز خلف من الولد عشرة ذكور، فعمد أمراؤه فملكوا عليهم ولده محمدا، ولقبوه بالمنصور، وجمهور الامراء في الباطن مائلون إلى تمليك العادل، ولكنهم يستبعدون مكانه، فأرسلوا إلى الأفضل وهو بصرخد فأحضروه على البريد سريعا، فلما حضر عندهم منع رفدهم ووجدوا الكلمة مختلفة عليه، ولم يتم له ما صار إليه، وخامر عليه أكابر الامراء الناصرية (1)، وخرجوا من مصر فأقاموا ببيت المقدس وأرسلوا يستحثون الجيوش العادلية، فأقر ابن أخيه على السلطنة ونوه باسمه على السكة والخطبة في سائر بلاد مصر (2)، لكن استفاد الأفضل في سفرته هذه أن أخذ جيشا كثيفا من المصريين، وأقبل بهم ليسترد دمشق في غيبة عمه. وذلك بإشارة أخيه صاحب حلب، وملك حمص أسد الدين، فلما انتهى إليها ونزل حواليها قطع أنهارها وعقر أشجارها، وأكل ثمارها، ونزل بمخيمه على مسجد القدم، وجاء إليه أخوه الظاهر وابن عمه الأسد الكاسر وجيش حماه، فكثر جيشه وقوي بأسه، وقد دخل جيشه إلى البلد، ونادوا بشعاره فلم يتابعهم من العامة أحد، وأقبل العادل من ماردين بعساكره وقد التف عليه أمراء أخيه وطائفة بني أخيه، وأمده كل مصر بأكابره، وسبق الأفضل إلى دمشق بيومين فحصنها وحفظها، وقد استناب على ماردين ولده محمدا الكامل. ولما دخل دمشق خامر إليه أكثر الامراء من المصريين وغيرهم، وضعف أمر الأفضل ويئس من برهم وخيرهم، فأقام محاصر البلد بمن معه حتى انسلخ الحول ثم انفصل الحال في أول السنة الآتية على ما سيأتي.
وفيها شرع في بناء سور بغداد بالآجر والكلس، وفرق على الامراء وكملت عمارته بعد هذه السنة، فأمنت بغداد من الغرق والحصار، ولم يكن لها سور قبل ذلك.
وفيها توفي:
السلطان أبو محمد (3) يعقوب بن يوسف ابن عبد المؤمن، صاحب المغرب والأندلس بمدينته (4)، وكان قد بنى عندها مدينة مليحة