ثم دخلت سنة ثمانين وستمائة من الهجرة استهلت والخليفة الحاكم وسلطان البلاد الملك المنصور قلاوون. وفي عاشر المحرم انعقدت الهدنة (1) بين أهل عكا والمرقب والسلطان، وكان نازلا على الروحاء (2) وقد قبض على جماعة من الامراء ممن كان معه، وهرب آخرون إلى قلعة صهيون إلى خدمة سنقر الأشقر، ودخل المنصور إلى دمشق في التاسع عشر من المحرم فنزل القلعة وقد زينت له البلد، وفي التاسع (3) والعشرين من المحرم أعاد القضاء إلى عز الدين بن الصائغ وعزل ابن خلكان. وفي أول صفر باشر قضاء الحنابلة نجم الدين بن الشيخ شمس بن أبي عمر، وقد كان المنصب شاغرا منذ عزل والده نفسه عن القضاء، وتولى قضاء حلب في هذا الشهر تاج الدين يحيى بن محمد بن إسماعيل الكردي، وجلس الملك المنصور في دار العدل في هذا الشهر فحكم وأنصف المظلوم من الظالم، وقدم عليه صاحب حماه فتلقاه المنصور بنفسه في موكبه، ونزل بداره بباب الفراديس. وفي ربيع الأول وقع الصلح بين الملك المنصور قلاوون وبين سنقر الأشقر الملك الكامل على أن يسلم للسلطان شيزر ويعوضه عنها بإنطاكية وكفر طاب وشغر بكأس وغير ذلك، وعلى أن يقيم على ما بيده ستمائة فارس (4)، وتحالفا على ذلك (5)، ودقت البشائر لذلك، وكذلك تصالح صاحب الكرك والملك المنصور خضر بن الظاهر على تقرير ما بيده ونودي بذلك في البلاد. وفي العشر الأول من هذا الشهر ضمن الخمر والزنا بدمشق، وجعل عليه ديوان ومشد، فقام في إبطال ذلك جماعة من العلماء والصلحاء والعباد، فأبطل بعد عشرين يوما، وأريقت الخمور وأقيمت الحدود ولله الحمد والمنة.
وفي تاسع عشر ربيع الأول وصلت الخاتون بركة خان زوجة الملك الظاهر ومعها ولدها السعيد قد نقلته من قرية المساجد بالقرب من الكرك لتدفنه عند أبيه بالتربة الظاهرية، فرفع بحبال من السور ودفن عند والده الظاهر، ونزلت أمه بدار صاحب حمص، وهيئت لها الإقامات،