صاحب آمد الملك الصالح ناصر الدين محمود بن محمد بن قرا أرسلان بن أرتق، وكان شجاعا محبا للعلماء، وكان مصاحبا للأشرف موسى بن العادل يجئ إلى خدمته مرارا، وملك بعده ولده المسعود، وكان بخيلا فاسقا، فأخذه معه الكامل وحبسه بمصر ثم أطلقه فأخذ أمواله وسار إلى التتار، فأخذته منه (1).
الشيخ عبد الله اليونيني الملقب أسد الشام رحمه الله ورضي عنه من قرية ببعلبك يقال لها يونين، وكانت له زاوية يقصد فيها للزيارة، وكان من الصالحين الكبار المشهورين بالعبادة والرياضة والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، له همة عالية في الزهد والورع، بحيث إنه كان لا يقتني شيئا ولا يملك مالا ولا ثيابا، بل يلبس عارية ولا يتجاوز قميصا في الصيف وفروة فوقه في الشتاء، وعلى رأسه قبعا من جلود المعز، شعره إلى ظاهر، وكان لا ينقطع عن غزاة من الغزوات، ويرمي عن قوس زنته ثمانون رطلا، وكان يجاور في بعض الأحيان بجبل لبنان، ويأتي في الشتاء إلى عيون العاسريا في سفح الجبل المطل على قرية دومة شرقي دمشق، لأجل سخونة الماء، فيقصده الناس للزيارة هناك، ويجئ تارة إلى دمشق فينزل بسفح قاسيون عند القادسية وكانت له أحوال ومكاشفات صالحة، وكان يقال له أسد الشام، حكى الشيخ أبو المظفر سبط ابن الجوزي عن القاضي جمال الدين يعقوب الحاكم بكرك البقاع أنه شاهد مرة الشيخ عبد الله وهو يتوضأ من ثور عند الجسر الأبيض إذ مر نصراني ومعه حمل بغل خمرا فعثرت الدابة عند الجسر فسقط الحمل فرأى الشيخ وقد فرغ من وضوئه ولا يعرفه، واستعان به على رفع الحمل فاستدعاني الشيخ فقال: تعال يا فقيه، فتساعدنا على تحميل ذلك الحمل على الدابة وذهب النصراني فتعجبت من ذلك وتبعت الحمل وأنا ذاهب إلى المدينة، فانتهى به إلى العقبة فأورده إلى الخمار بها فإذا خل فقال له الخمار: ويحك هذا خل، فقال النصراني أنا أعرف من أين أتيت، ثم ربط الدابة في خان ورجع إلى الصالحية فسأل عن الشيخ فعرفه فجاء إليه فأسلم على يديه، وله أحوال وكرامات كثيرة جدا، وكان لا يقوم لاحد دخل عليه ويقول: إنما يقوم الناس لرب العالمين، وكان الأمجد إذا دخل عليه جلس بين يديه فيقول له: يا أمجد فعلت كذا وكذا ويأمره بما يأمره، وينهاه عما ينهاه عنه، وهو يتمثل جميع ما يقوله له، وما ذاك إلا لصدقه في زهده وورعه وطريقه، وكان يقبل الفتوح، وكان لا يدخر منه شيئا لغد، وإذا اشتد جوعه أخذ من ورق اللوز ففركه واستفه ويشرب فوقه الماء البارد رحمه الله تعالى وأكرم مثواه، وذكروا أنه كان يحج في بعض السنين في الهواء، وقد وقع هذا لطائفة كبيرة من