أموالهم وسبى ذراريهم وأطفالهم، فأقبلوا إليه محروبين فاقتتلوا معه أربعة أيام قتالا لم يسمع بمثله، أولئك يقاتلون عن حريمهم والمسلمون عن أنفسهم، يعلمون أنهم متى ولوا استأصلوهم، فقتل من الفريقين خلق كثير، حتى أن الخيول كانت تزلق في الدماء، وكان جملة من قتل من المسلمين نحوا من عشرين ألفا، ومن التتار أضعاف ذلك، ثم تحاجز الفريقان وولى كل منهم إلى بلاده ولجأ خوارزم شاه وأصحابه إلى بخارى وسمرقند فحصنها وبالغ في كثرة من ترك فيها من المقاتلة، ورجع إلى بلاده ليجهز الجيوش الكثيرة، فقصدت التتار بخارى وبها عشرون ألف مقاتل فحاصرها جنكزخان ثلاثة أيام، فطلب منه أهلها الأمان فأمنهم ودخلها فأحسن السيرة فيهم مكرا وخديعة، وامتنعت عليه القلعة فحاصرها واستعمل أهل البلد في طم خندقها وكانت التتار يأتون بالمنابر والربعات فيطرحونها في الخندق يطمونه بها ففتحوها قسرا في عشرة أيام (1)، فقتل من كان بها. ثم عاد إلى البلد فاصطفى أموال تجارها وأحلها لجنده فقتلوا من أهلها خلقا لا يعلمهم إلا الله عز وجل، وأسروا الذرية والنساء، وفعلوا معهن الفواحش بحضرة أهليهن، فمن الناس من قاتل دون حريمه حتى قتل، ومنهم من أسر فعذب بأنواع العذاب، وكثر البكاء والضجيج بالبلد من النساء والأطفال والرجال، ثم ألقت التتار النار في دور بخارى ومدارسها ومساجدها فاحترقت حتى صارت بلاقع خاوية على عروشها، ثم كروا راجعين عنها قاصدين سمرقند، وكان من أمرهم ما سنذكره في السنة الآتية.
وفي مستهل هذه السنة خرب سور بيت المقدس عمره الله بذكره، أمر بذلك المعظم خوفا من استيلاء الفرنج عليه بعد مشورة من أشار بذلك، فإن الفرنج إذا تمكنوا من ذلك جعلوه وسيلة إلى أخذ الشام جميعه، فشرع في تخريب السور في أول يوم المحرم فهرب منه أهله خوفا من الفرنج أن يهجموا عليهم ليلا أو نهارا، وتركوا أموالهم وأثاثهم وتمزقوا في البلاد كل ممزق، حتى قيل إنه بيع القنطار الزيت بعشرة دراهم والرطل النحاس بنصف درهم. وضج الناس وابتهلوا إلى الله عند الصخرة وفي الأقصى، وهي أيضا فعلة شنعاء من المعظم مع ما أظهر من الفواحش في العام الماضي، فقال بعضهم يهجو المعظم بذلك.
في رجب حلل الحميا * وأخرب القدس في المحرم وفيها استحوذت الفرنج على مدينة دمياط ودخلوها بالأمان فغدروا بأهلها وقتلوا رجالها وسبوا نساءها وأطفالها، وفجروا بالنساء وبعثوا بمنبر الجامع والربعات ورؤوس القتلى إلى الجزائر، وجعلوا الجامع كنيسة. وفيها غضب المعظم على القاضي زكي الدين بن الزكي، وسببه أن عمته ست الشام بنت أيوب مرضت في دارها التي جعلتها بعدها مدرسة فأرسلت إلى القاضي لتوصي إليه، فذهب