الحسان والغرائب التي هي كالعقيان. ولد ليلة الجمعة الثالث والعشرين من ربيع الآخر سنة تسع وتسعين وخمسمائة، وذكر لنفسه ترجمة في هذه السنة في الذيل، وذكر مرباه ومنشأه، وطلبه العلم، وسماعه الحديث، وتفقهه على الفخر بن عساكر وابن عبد السلام، والسيف الآمدي، والشيخ موفق الدين بن قدامة، وما رئي له من المنامات الحسنة. وكان ذا فنون كثيرة، أخبرني علم الدين البرزالي الحافظ عن الشيخ تاج الدين الفزاري، أنه كان يقول: بلغ الشيخ شهاب الدين أبو شامة رتبة الاجتهاد، وقد كان ينظم أشعارا في أوقات، فمنها ما هو مستحلى، ومنها ما لا يستحلى، فالله يغفر لنا وله. وبالجملة فلم يكن في وقته مثله في نفسه وديانته، وعفته وأمانته، وكانت وفاته بسبب محنة ألبوا عليه، وأرسلوا إليه من اغتاله وهو بمنزل له بطواحين الأشنان، وقد كان اتهم برأي، الظاهر براءته منه، وقد قال جماعة من أهل الحديث وغيرهم: إنه كان مظلوما، ولم يزل يكتب في التاريخ حتى وصل إلى رجب من هذه السنة، فذكر أنه أصيب بمحنة في منزله بطواحين الأشنان، وكان الذين قتلوه جاؤوه قبل فضربوه ليموت فلم يمت، فقيل له: ألا تشتكي عليهم، فلم يفعل وأنشأ يقول:
قلت لمن قال: ألا تشتكي * ما قد جرى فهو عظيم جليل يقيض الله تعالى لنا * من يأخذ الحق ويشفي الغليل إذا توكلنا عليه كفى * فحسبنا الله ونعم الوكيل وكأنهم عادوا إليه مرة ثانية وهو في المنزل المذكور فقتلوه بالكلية في ليلة الثلاثاء تاسع عشر رمضان رحمه الله. ودفن من يومه بمقابر دار الفراديس، وباشر بعده مشيخة دار الحديث الأشرفية الشيخ محيي الدين النووي. وفي هذه السنة كان مولد الحافظ علم الدين القاسم بن محمد البرزالي، وقد ذيل على تاريخ أبي شامة لان مولده في سنة وفاته، فحذا حذوه وسلك نحوه، ورتب ترتيبه وهذب تهذيبه. وهذا أيضا ممن ينشد في ترجمته:
ما زلت تكتب في التاريخ مجتهدا * حتى رأيتك في التاريخ مكتوبا ويناسب أن ينشد هنا:
إذا سيد منا خلا قام سيد * قؤول لما قال الكرام فعول ثم دخلت سنة ست وستين وستمائة استهلت هذه السنة والحاكم العباسي خليفة، وسلطان البلاد الملك الظاهر، وفي أول جمادى الآخرة خرج السلطان من الديار المصرية بالعساكر المنصورة، فنزل على مدينة يافا بغتة فأخذها عنوة، وسلم إليه أهلها قلعتها صلحا، فأجلاهم منها إلى عكا وخرب القلعة والمدينة وسار