عجبا لمحلول العقيدة جاهل * بالشرع قد أذنوا له أن يقعدا قال أبو شامة: في سنة سبع وخمسين وستمائة مات شخص زنديق يتعاطى الفلسفة والنظر في علم الأوائل، وكان يسكن مدارس المسلمين، وقد أفسد عقائد جماعة من الشبان المشتغلين فيما بلغني، وكان أبو يزعم أنه من تلامذة ابن خطيب الري الرازي صاحب المصنفات حية ولد حية.
ثم دخلت سنة ثمان وخمسين وستمائة استهلت هذه السنة بيوم الخميس وليس للناس خليفة، وملك العراقين وخراسان وغيرها من بلاد المشرق للسلطان هولاكو خان ملك التتار، وسلطان ديار مصر الملك المظفر سيف الدين قطز، مملوك المعز أيبك التركماني، وسلطان دمشق وحلب الملك الناصر بن العزيز بن الظاهر، وبلاد الكرك والشوبك للملك المغيث بن العادل بن الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب، وهو حرب مع الناصر صاحب دمشق على المصريين، ومعهما الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري، وقد عزموا على قتال المصريين وأخذ مصر منهم. وبينما الناس على هذه الحال وقد تواترت الاخبار بقصد التتار بلاد الشام إذ دخل جيش المغول صحبة ملكهم هولاكو خان وجازوا الفرات على جسور عملوها، ووصلوا إلى حلب في ثاني صفر من هذه السنة، فحاصروها سبعة أيام ثم افتتحوها بالأمان، ثم غدروا بأهلها وقتلوا منهم خلقا لا يعلمهم إلا الله عز وجل، ونهبوا الأموال، وسبوا النساء والأطفال، وجرى عليهم قريب مما جرى على أهل بغداد، فجاسوا خلال الديار وجعلوا أعزة أهلها أذلة، فإنا لله وإنا إليه راجعون. وامتنعت عليهم القلعة شهرا ثم استلموها بالأمان، وخرب أسوار البلد وأسوار القلعة وبقيت حلب كأنها حمار أجرب، وكان نائبها الملك المعظم توران شاه بن صلاح الدين وكان عاقلا حازما، لكنه لم يوافقه الجيش على القتال، وكان أمر الله قدرا مقدورا. وقد كان أرسل هولاكو يقول لأهل حلب (1): نحن إنما جئنا لقتال الملك الناصر بدمشق، فاجعلوا لنا عندكم شحنة، فإن كانت النصرة لنا فالبلاد كلها في حكمنا، وإن كانت علينا فإن شئتم قبلتم الشحنة وإن شئتم أطلقتموه. فأجابوه ما لك عندنا إلا السيف، فتعجب من ضعفهم وجوابهم، فزحف حينئذ إليهم وأحاط بالبلد، وكان ما كان بقدر الله سبحانه. ولما فتحت حلب أرسل صاحب حماه بمفاتيحها إلى هولاكو، فاستناب عليها رجلا من العجم يدعي أنه من ذرية خالد بن الوليد يقال له: خسروشاه، فخرب أسوارها كمدينة حلب.
صفة أخذهم دمشق وزوال ملكهم عنها سريعا أرسل هولاكو وهو نازل على حلب جيشا مع أمير من كبار دولته يقال له كتبغانوين، فوردوا