وجهه إلى وجه واحد وهو وجه الله، صرف الوجوه إليه كلها (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين الله) [العنكبوت: 69].
وفي هذه السنة انقضت مدة الهدنة التي كان عقدها الملك صلاح الدين للفرنج (1) فأقبلوا بحدهم وحديدهم، فتلقاهم الملك العادل بمرج عكا فكسرهم وغنمهم، وفتح يافا عنوة ولله الحمد والمنة. وقد كانوا كتبوا إلى ملك الألمان يستنهضونه لفتح بيت المقدس فقدر الله هلاكه سريعا، وأخذت الفرنج في هذه السنة بيروت من نائبها عز الدين شامة (2) من غير قتال ولا نزال، ولهذا قال بعض الشعراء في الأمير شامة (1):
سلم الحصن ما عليك ملامة * ما يلام الذي يروم السلامة فتعطى الحصون من غير حرب * سنة سنها ببيروت شامة ومات فيها ملك الفرنج كندهري، سقط من شاهق فمات، فبقيت الفرنج كالغنم بلا راع، حتى ملكوا عليهم صاحب قبرس (3) وزوجوه بالملكة امرأة كندهري، وجرت خطوب كثيرة بينهم وبين العادل، ففي كلها يستظهر عليهم ويكسرهم، ويقتل خلقا من مقاتلتهم، ولم يزالوا كذلك معه حتى طلبوا الصلح والمهادنة، فعاقدهم على ذلك في السنة الآتية.
وفيها توفي ملك اليمن:
سيف الاسلام طغتكين أخو السلطان صلاح الدين، وكان قد جمع أموالا جزيلة جدا، وكان يسبك الذهب مثل الطواحين ويدخره كذلك، وقام في الملك بعده ولده إسماعيل، وكان أهوج قليل التدبير، فحمله جهله على أن ادعى أنه قرشي أموي، وتلقب بالهادي، فكتب إليه عمه العادل ينهاه عن ذلك ويتهدده بسبب ذلك، فلم يقبل منه ولا التفت إليه، بل تمادى وأساء التدبير إلى الامراء والرعية، فقتل وتولى بعده مملوك من مماليك أبيه. وفيها توفي: