باسلا عالما فاضلا، اشتغل في الفقه على مذهب أبي حنيفة على الحصيري مدرس النورية، وفي اللغة والنحو على التاج الكندي، وكان محفوظه مفصل الزمخشري، وكان يجيز من حفظه بثلاثين دينارا وكان قد أمر أن يجمع له كتاب في اللغة يشمل صحاح الجوهري والجمهرة لابن دريد والتهذيب للأزهري (1) وغير ذلك، وأمر أن يرتب له مسند الإمام أحمد (2)، وكان يحب العلماء ويكرمهم، ويجتهد في متابعة الخير ويقول أنا على عقيدة الطحاوي، وأوصى عند وفاته أن لا يكفن إلا في البياض، وأن يلحد له ويدفن في الصحراء ولا يبنى عليه، وكان يقول: واقعة دمياط أدخرها عند الله تعالى وأرجو أن يرحمني بها - يعني أنه أبلى بها بلاء حسنا - رحمه الله تعالى، وقد جمع له بين الشجاعة والبراعة والعلم ومحبة أهله، وكان يجئ في كل جمعة إلى تربة والده فيجلس قليلا ثم إذا ذكر المؤذنون ينطلق إلى تربة عمه صلاح الدين فيصلي فيها الجمعة، وكان قليل التعاظم، يركب في بعض الأحيان وحده ثم يلحقه بعض غلمانه سوقا. وقال فيه بعض أصحابه وهو محب الدين بن أبي السعود البغدادي:
لئن غودرت تلك المحاسن في الثرى * بوال فما وجدي عليك ببال ومذ غبت عني ما ظفرت بصاحب * أخي ثقة إلا خطرت ببالي وملك بعده دمشق ولده الناصر داود بن المعظم، وبايعه الامراء.
أبو المعالي أسعد بن يحيى (3) ابن موسى بن منصور بن عبد العزيز بن وهب الفقيه الشافعي البخاري، شيخ أديب فاضل خير، له نظم ونثر ظريف، وله نوادر حسنة وجاوز التسعين. قد استوزره صاحب حماة في وقت وله شعر رائق أورد منه ابن الساعي قطعة جيدة. فمن ذلك قوله:
وهواك ما خطر السلو بباله * ولأنت أعلم في الغرام بحاله فمتى وشى واش إليك بشأنه * سائل هواك فذاك من أعداله أو ليس للدنف المعنى شاهد * من حاله يغنيك عن تسأله جددت ثوب سقامه، وهتكت ستر * غرامه، وصرمت حبل وصاله