الأمور، وبعد عنه الامراء الكبار، فغضبت طائفة منهم ونابذوه وفارقوه وأقاموا بطريق العساكر الذين توجهوا إلى سيس وغيرهم، فرجعت العساكر إليهم فلما اجتمعوا شعثوا قلوبهم على الملك السعيد، ووحشوا خواطر الجيش عليه، وقالوا: الملك لا ينبغي له أن يلعب ويلهو، وإنما همة الملوك في العدل ومصالح المسلمين والذب عن حوزتهم، كما كان أبوه. وصدقوا فيما قالوا، فإن لعب الملوك والامراء وغيرهم دليل على زوال النعم وخراب الملك، وفساد الرعية. ثم راسله الجيش في إبعاد الخاصكية عنه ودنو ذوي الأحلام والنهي إليه كما كان أبوه، فلم يفعل، وذلك أنه كان لا يمكنه ذلك لقوة شوكة الخاصكية وكثرتهم، فركب الجيش وساروا قاصدين مرج الصفر، ولم يمكنهم العبور على دمشق بل أخذوا من شرقها، فلما اجتمعوا كلهم بمرج الصفر أرسل السلطان أمه إليهم فتلقوها وقبلوا الأرض بين يديها، فأخذت تتألفهم وتصلح الأمور، فأجابوها واشترطوا شروطا على ولدها السلطان، فلما رجعت إليه لم يلتزم بها ولم تمكنه الخاصكية من ذلك، فسارت العساكر إلى الديار المصرية، فساق السلطان خلفهم ليتلافى الأمور قبل تفاقمها وانفراطها، فلم يلحقهم وسبقوه إلى القاهرة، وقد كان أرسل أولاده وأهله وثقله إلى الكرك فحصنهم فيها، وركب في طائفة من الجيش الذين بقوا معه والخاصكية إلى الديار المصرية، فلما اقترب منها صدوه عنها وقاتلوه فقتل من الفريقين نفر يسير، فأخذه بعض الامراء فشق به الصفوف وأدخله قلعة الجبل ليسكن الامر، فما زادهم ذلك إلا نفورا، فحاصروا حينئذ القلعة وقطعوا عنها الماء، وجرت خطوب طويلة وأحوال صعبة. ثم اتفق الحال بعد ذلك مع الأمير سيف الدين قلاوون الألفي الصالحي - وهو المشار إليه حينئذ - أن يترك الملك السعيد الملك ويتعوض بالكرك والشوبك، ويكون في صحبته أخوه نجم الدين خضر، وتكون المملكة إلى أخيه الصغير بدر الدين سلامش، ويكون الأمير سيف الدين قلاوون أتابكه.
خلع الملك السعيد وتولية أخيه الملك العادل سلامش لما اتفق الحال على ما ذكرنا نزل السلطان الملك السعيد من القلعة إلى دار العدل في سابع عشر الشهر (1)، وهو ربيع الآخر، وحضر القضاة والدولة من أولي الحل والعقد، فخلع السعيد نفسه من السلطنة وأشهدهم على نفسه بذلك، وبايعوا أخاه بدر الدين سلامش ولقب بالملك العادل، وعمره يومئذ سبع سنين (2)، وجعلوا أتابكه الأمير سيف الدين قلاوون الألفي الصالحي، وخطب له الخطباء ورسمت السكة باسمهما، وجعل لأخيه الكرك ولأخيه خضر