الخطبة والسكة باسم أخيه المنصور، والعادل مستقل بالأمور، واستوزر الصاحب صفي الدين بن شكر لصرامته وشهامته، وسيادته وديانته، وكتب العادل إلى ولده الكامل يستدعيه من بلاد الجزيرة ليملكه على مصر، فقدم عليه فأكرمه واحترمه وعانقه والتزمه، وأحضر الملك الفقهاء واستفتاهم في صحة مملكة ابن أخيه المنصور بن العزيز، وكان ابن عشر سنين، فأفتوا بأن ولايته لا تصح لأنه متولي عليه، فعند ذلك طلب الامراء ودعاهم إلى مبايعته فامتنعوا فأرغبهم وأرهبهم، وقال فيما قال: قد سمعتم ما أفتى به العلماء، وقد علمتم أن ثغور المسلمين لا يحفظها الأطفال الصغار، وإنما يحفظها الملوك الكبار، فأذعنوا عند ذلك وبايعوه، ثم من بعده لولده الكامل، فخطب الخطباء بذلك بعد الخليفة لهما، وضربت السكة باسمهما، واستقرت دمشق باسم المعظم عيسى بن العادل، ومصر باسم الكامل.
وفي شوال رجع إلى دمشق الأمير ملك الدين أبو منصور سليمان بن مسرور بن جلدك، وهو أخو الملك العادل لامه، وهو واقف الفلكية داخل باب الفراديس، وبها قبره، فأقام بها محترما معظما إلى أن توفي في هذه السنة. وفيها وفي التي بعدها كان بديار مصر غلاء شديد، فهلك بسببه الغني والفقير، وهرب الناس منها نحو الشام فلم يصل إليها إلا القليل، وتخطفهم الفرنج من الطرقات وغروهم من أنفسهم واغتالوهم بالقليل من الأقوات، وأما بلاد العراق فإنه كان مرخصا. قال ابن الساعي: وفي هذه السنة باض ديك ببغداد فسألت جماعة عن ذلك فأخبروني به.
وممن توفي فيها من الأعيان:
السلطان علاء الدين خوارزم شاه تكش بن ألب رسلان من ولد طاهر بن الحسين، وهو صاحب خوارزم وبعض بلاد خراسان والري وغيرها من الأقاليم المتسعة، وهو الذي قطع دولة السلاجقة، كان عادلا حسن السيرة له معرفة جيدة بالموسيقى، حسن المعاشرة، فقيها على مذهب أبي حنيفة، ويعرف الأصول، وبنى للحنفية مدرسة عظيمة، ودفن بتربة بناها بخوارزم، وقام في الملك من بعده ولده علاء الدين محمد، وكان قبل ذلك يلقب بقطب الدين. وفيها قتل وزير السلطان خوارزم شاه المذكور:
نظام الدين مسعود بن علي وكان حسن السيرة، شافعي المذهب، له مدرسة عظيمة بخوارزم، وجامع هائل، وبنى بمرو جامعا عظيما للشافعية، فحسدتهم الحنابلة (1) وشيخهم بها يقال له شيخ الاسلام، فيقال إنهم