ثم دخلت سنة ست وأربعين وستمائة فيها قدم السلطان الصالح نجم الدين من الديار المصرية إلى دمشق وجهز الجيوش والمجانيق إلى حمص، لأنه كان صاحبها الملك الأشرف بن موسى بن المنصور بن أسد الدين قد قايض بها إلى تل باشر لصاحب حلب الناصر يوسف بن العزيز، ولما علمت الحلبيون بخروج الدماشقة برزوا أيضا في جحفل عظيم ليمنعوا حمص منهم، واتفق الشيخ نجم الدين البادزاي (1) مدرس النظامية ببغداد في رسالة فأصلح بين الفريقين، ورد كلا من الفئتين إلى مستقرها ولله الحمد. وفيها قتل مملوك تركي شاب صبي لسيده علي دفعه عنه لما أراد به من الفاحشة، فصلب الغلام مسمرا، وكان شابا حسنا جدا فتأسف الناس له لكونه صغيرا ومظلوما وحسنا، ونظموا فيه قصائد، وممن نظم فيه الشيخ شهاب الدين أبو شامة في الذيل، وقد أطال قصته جدا، وفيها سقطت قنطرة رومية قديمة البناء بسوق الدقيق من دمشق، عند قصر أم حكيم، فتهدم بسببها شئ كثير من الدور والدكاكين، وكان سقوطها نهارا. وفي ليلة الأحد الخامس والعشرين من رجب وقع حريق بالمنارة الشرقية فأحرق جميع حشوها، وكانت سلالمها سقالات من خشب، وهلك للناس ودائع كثيرة كانت فيها، وسلم الله الجامع وله الحمد. وقدم السلطان بعد أيام إلى دمشق فأمر بإعادتها كما كانت، قلت: ثم احترقت وسقطت بالكلية بعد سنة أربعين وسبعمائة وأعيدت عمارتها أحسن مما كانت ولله الحمد. وبقيت حينئذ المنارة البيضاء الشرقية بدمشق كما نطق به الحديث في نزول عيسى عليه السلام عليها، كما سيأتي بيانه وتقريره في موضعه إن شاء الله تعالى. ثم عاد السلطان الصالح أيوب مريضا في محفة إلى الديار المصرية وهو ثقيل مدنف، شغله ما هو فيه عن أمره بقتل أخيه العادل أبي بكر بن الكامل الذي كان صاحب الديار المصرية بعد أبيه، وقد كان سجنه سنة استحوذ على مصر، فلما كان في هذه السنة في شوالها أمر بخنقه فخنق بتربة شمس الدولة، فما عمر بعده إلا إلى النصف من شعبان في العام القابل في أسوأ حال، وأشد مرض، فسبحان من له الخلق والامر.
وفيها كانت وفاة قاضي القضاة بالديار المصرية: