ثم دخلت سنة تسعين وخمسمائة لما استقر الملك الأفضل بن صلاح الدين مكان أبيه بدمشق، بعث بهدايا سنية إلى باب الخليفة الناصر، من ذلك سلاح أبيه وحصانه الذي كان يحضر عليه الغزوات، ومنها صليب الصلبوت الذي استلبه أبوه من الفرنج يوم حطين، وفيه من الذهب ما ينيف على عشرين رطلا مرصعا بالجواهر النفيسة، وأربع جواري من بنات ملوك الفرنج، وأنشأ له العماد الكاتب كتابا حافلا يذكر فيه التعزية بأبيه، والسؤال من الخليفة أن يكون في الملك من بعده، فأجيب إلى ذلك.
ولما كان شهر جمادى الأولى قدم العزيز صاحب مصر إلى دمشق ليأخذها من أخيه الأفضل فخيم على الكسوة يوم السبت سادس جمادى، وحاصر البلد، فمانعه أخوه ودافعه عنها، فقطع الأنهار ونهبت الثمار، واشتد الحال، ولم يزل الامر كذلك حتى قدم العادل عمهما فأصلح بينهما، ورد الامر للألفة بعد اليمين على أن يكون للعزيز القدس وما جاور فلسطين من ناحيته أيضا، وعلى أن يكون جبلة واللاذقية للظاهر صاحب حلب، وأن يكون لعمهما العادل أقطاعه الأول ببلاد مصر مضافا إلى ما بيده من الشام والجزيرة كحران والرها وجعبر وما جاور ذلك، فاتفقوا على ذلك، وتزوج العزيز بابنة عمه العادل، ومرض ثم عوفي وهو مخيم بمرج الصفر، وخرجت الملوك لتهنئته بالعافية والتزويج والصلح، ثم كر راجعا إلى مصر لطول شوقه إلى أهله وأولاده، وكان الأفضل بعد موت أبيه قد أساء التدبير فأبعد أمراء أبيه وخواصه، وقرب الأجانب وأقبل على شرب المسكر واللهو واللعب، واستحوذ عليه وزيره ضياء الدين بن الأثير الجزري، وهو الذي كان يحدوه إلى ذلك، فتلف وأتلفه، وأضل وأضله، وزالت النعمة عنهما كما سيأتي.
وفيها كانت وقعة عظيمة بين شهاب الدين ملك غزنة وبين كفار الهند، أقبلوا إليه في ألف ألف مقاتل، ومعهم سبعمائة فيل منها فيل أبيض لم ير مثله، فالتقوا فاقتتلوا قتالا شديدا لم ير مثله، فهزمهم شهاب الدين عند نهر عظيم يقال له الملاحون (1)، وقتل ملكهم واستحوذ على حواصله وحواصل بلاده وغنم فيلتهم ودخل بلد الملك الكبرى، فحمل من خزانته ذهبا وغيره على ألف وأربعمائة جمل، ثم عاد إلى بلاده سالما منصورا.
وفيها ملك السلطان خوارزم شاه تكش - يقال له ابن الاصباعي - بلاد الري وغيرها، واصطلح مع السلطان طغرلبك السلجوقي وكان قد تسلم بلاد الري وسائر مملكة أخيه سلطان شاه وخزائنه، وعظم شأنه، ثم التقى هو والسلطان طغرلبك في ربيع الأول من هذه السنة. فقتل