الروم، وكان مع الأشرف أخوه الكامل وصاحب الموصل بدر الدين لؤلؤ، ثم استمال أخاه المعظم إلى ناحيته يقوي جانبه، وفيها كان قتال كبير بين إبرنش (1) إنطاكية وبين الأرمن، وجرت خطوب كثيرة بينهم وفيها أوقع الملك جلال الدين بالتركمان الايوانية بأسا شديدا، وكانوا يقطعون الطرق على المسلمين.
وفيها قدم محيي الدين يوسف بن الشيخ جمال الدين بن الجوزي من بغداد في الرسلية إلى الملك المعظم بدمشق، ومعه الخلع والتشاريف لأولاد العادل من الخليفة الظاهر بأمر الله، ومضمون الرسالة نهيه عن موالاة جلال الدين بن خوارزم شاه، فإنه خارجي من عزمه قتال الخليفة وأخذ بغداد منهم، فأجابه إلى ذلك وركب القاضي محيي الدين بن الجوزي إلى الملك الكامل بالديار المصرية، وكان ذلك أول قدومه إلى الشام ومصر، وحصل له جوائز كثيرة من الملوك، منها كان بناء مدرسته الجوزية بالنشابين بدمشق. وفيها ولي تدريس الشبلية بالسفح شمس الدين محمد بن قزغلي سبط ابن الجوزي بمرسوم الملك المعظم، وحضر عنده أول يوم القضاة والأعيان.
وفاة الخليفة الظاهر وخلافة ابنه المستنصر كانت وفاة الخليفة رحمه الله يوم الجمعة ضحى الثالث عشر (2) من رجب من هذه السنة، أعني سنة ثلاث وعشرين وستمائة، ولم يعلم الناس بموته إلا بعد الصلاة، فدعا له الخطباء يومئذ على المنابر على عادتهم فكانت خلافته تسعة أشهر وأربعة عشر يوما (3)، وعمره اثنتان وخمسون سنة، وكان من أجود بني العباس وأحسنهم سيرة وسريرة، وأكثرهم عطاء وأحسنهم منظرا ورواء، ولو طالت مدته لصلحت الأمة صلاحا كثيرا على يديه، ولكن أحب الله تقريبه وإزلافه لديه، فاختار له ما عنده وأجزل له إحسانا ورفده، وقد ذكرنا ما اعتمده في أول ولايته من إطلاق الأموال الديوانية ورد المظالم وإسقاط المكوس، وتخفيف الخراج عن الناس، وأداء الديون عمن عجز عن أدائها، والاحسان إلى العلماء والفقراء وتولية ذوي الديانة والأمانة، وقد كان كتب كتابا لولاة الرعية فيه " بسم الله الرحمن الرحيم، اعلموا أنه ليس إمهالنا إهمالا، ولا إغضاؤنا احتمالا (4)، ولكن لنبلوكم أيكم أحسن عملا، وقد غفرنا لكم ما سلف من إخراب البلاد، وتشريد الرعايا وتقبيح الشريعة، وإظهار الباطل الجلي في صورة الحق الخفي، حيلة ومكيدة،