وسبعين [وخمسمائة]، وتوفي في هذه السنة وله من العمر تسع وستون سنة وشهران وعشرون يوما (1)، وكانت مدة خلافته سبعا وأربعين سنة إلا شهرا (2)، ولم يقم أحد من الخلفاء العباسيين قبله في الخلافة هذه المدة الطويلة، ولم تطل مدة أحد من الخلفاء مطلقا أكثر من المستنصر العبيدي، أقام بمصر حاكما ستين سنة، وقد انتظم في نسبه أربعة عشر خليفة، وولى عهد على ما رأيت، وبقية الخلفاء العباسيين كلهم من أعمامه وبني عمه. وكان مرضه قد طال به وجمهوره من عسار البول، مع أنه كان يجلب له الماء من مراحل عن بغداد ليكون أصفى، وشق ذكره مرات بسبب ذلك، ولم يغن عنه هذا الحذر شيئا، وكان الذي ولي غسله محيي الدين ابن الشيخ أبي الفرج ابن الجوزي، وصلى عليه ودفن في دار الخلافة، ثم نقل إلى الترب من الرصافة في ثاني ذي الحجة من هذه السنة، وكان يوما مشهودا، قال ابن الساعي: أما سيرته فقد تقدمت في الحوادث، وأما ابن الأثير في كامله فإنه قال: وبقي الناصر لدين الله ثلاث سنين عاطلا من الحركة بالكلية، وقد ذهبت إحدى عينيه والأخرى يبصر بها إبصارا ضعيفا، وآخر الامر أصابه دوسنطارية عشرين يوما ومات (3)، وزر له عدة وزراء، وقد تقدم ذكرهم، ولم يطلق في أيام مرضه ما كان أحدثه من الرسوم الجائرة، وكان قبيح السيرة في رعيته ظالما لهم، فخرب في أيامه العراق وتفرق أهله في البلاد، وأخذ أموالهم وأملاكهم، وكان يفعل الشئ وضده، فمن ذلك أنه عمل دورا للافطار في رمضان ودورا لضيافة الحجاج، ثم أبطل ذلك، وكان قد أسقط مكوسا ثم أعادها وجعل جل همه في رمي البندق والطيور المناسيب وسراويلات الفتوة. قال ابن الأثير: وإن كان ما ينسبه العجم إليه صحيحا من أنه هو الذي أطمع التتار في البلاد وراسلهم فهو الطامة الكبرى التي يصغر عندها كل ذنب عظيم. قلت، وقد ذكر عنه أشياء غريبة، من ذلك أنه كان يقول للرسل الوافدين عليه فعلتم في مكان كذا وكذا، وفعلتم في الموضع الفلاني كذا، حتى ظن بعض الناس أو أكثرهم أنه كان يكاشف أو أن جنيا يأتيه بذلك، والله أعلم.
خلافة الظاهر بن الناصر لما توفي الخليفة الناصر لدين الله كان قد عهد إلى ابنه أبي نصر محمد هذا ولقبه بالظاهر، وخطب له على المنابر، ثم عزله عن ذلك بأخيه علي، فتوفي في حياة أبيه سنة ثنتي عشرة، فاحتاج إلى إعادة هذا لولاية العهد فخطب له ثانيا، فحين توفي بويع بالخلافة، وعمره يومئذ ثنتان