تعقل ملك الانسان على نفسه شيئا نحو غيرها من أسباب النقل كبيع الدين على من هو عليه، وغيره، فيكون ذلك بمنزلة تلف المال الموهوب الذي هو ملزم للهبة.
(و) من هنا قال المصنف (صرفت إلى الابراء) على معنى اتحادها معه في المفاد لا أن المراد بلفظ الهبة الابراء، فإن ذلك خارج عن المقام الذي هو هبة ما في الذمة، ومن المعلوم أنها من أسباب التمليك كالبيع ونحوه لا الاسقاط ولكنها تفيد مفاد الابراء بالطريق الذي عرفت.
ومن هنا كان المتجه اعتبار القبول فيها (و) إن قلنا إنه (لا يشترط في الابراء القبول على الأصح) وفاقا للأكثر بل المشهور، وخلافا للمحكي عن الغنية و السرائر بل والمبسوط وإن كنا لم نتحققه، بل المحكي عنه التصريح بكون الأقوى عدم الاشتراط، وإن كان الاشتراط قويا أيضا كالراوندي في فقه القرآن.
وعلى كل حال فالمذهب الأول، لصدق الاسم بدونه، ولأنه اسقاط، ولذا عبر عنه بالعفو في قوله تعالى (1) " إلا أن يعفون " إلى آخره وللنصوص المتكثرة (2) في ابراء المديون حيا مع عدم حضوره وميتا، ولغير ذلك.
لكن المقام من العقود التي لا بد فيها من القبول، وإن كان هي بعد تمامها تفيد مفاد الابراء، كالصلح وبيع الدين على من هو عليه، وبذلك ظهر لك حقيقة الحال على وجه لا يخفى عليك التشويش في جملة من كلماتهم التي بعضها ظاهر في كون البحث في التعبير عن الابراء بلفظ الهبة ومن المعلوم خروج ذلك عما نحن فيه، إذ هو بحث آخر، مبني على عدم اشتراط لفظ مخصوص في الابراء بل يكفي كل ما دل عليه من حقيقة أو مجاز، وبعضها ظاهر في أنه من الهبة، ولكن هذا القسم من الهبة لا يحتاج إلى القبول، لأنها كالابراء وهو لا يحتاج إليه.
وفيه أن ظاهر النص والفتوى كون الهبة قسما واحدا، وأنها من قسم العقود، و ثالث جعلها من قسم الابراء، وبنى مسألة القبول على احتياج الابراء إليه وعدمه،