وتقديم الحسين إياه إلى الكوفة إمامه، وبما ظهر لهم من ضعف النعمان بن بشير، وعجزه ووهن أمره.
فكتب يزيد إلى عبيد الله بن زياد بن أبي سفيان بولاية الكوفة إلى ما كان يلي من البصرة، وبعث بكتابه في ذلك مع مسلم بن عمرو الباهلي - أبي قتيبة بن مسلم - وأمر عبيد الله بطلب ابن عقيل ونفيه إذا ظفر به أو قتله، وأن يتيقظ في أمر الحسين بن علي ويكون على استعداد له.
وقد كان الحسين بن علي عليه السلام كتب إلى وجوه أهل البصرة يدعوهم إلى كتاب الله، ويقول لهم: " إن السنة قد أميتت، وإن البدعة قد أحييت ونعشت " (1) و [كلهم] كتموا كتابه إلا المنذر بن الجارود العبدي فإنه خاف ان يكون عبيد الله بن زياد، دسه إليه، فأخبره به وأقراه إياه، فخطب عبيد الله بن زياد الناس بالبصرة، فأرعد وأبرق وتهدد وتوعد، وقال: انا نكل لمن عاداني وسمام لمن حاربني وأعلمهم انه شاخص إلى الكوفة، وانه قد ولى عثمان بن زياد أخاه خلافته على البصرة، وأمرهم بطاعته، والسمع له، ونهاهم عن الخلاف والمشاقة.
وشخص إلى الكوفة ومعه المنذر بن الجارود العبدي، وشريك بن الأعور الحارثي ومسلم عمرو الباهلي، وحشمه وغلمانه، فوردها متلثما بعمامة سوداء، وكان الناس بالكوفة يتوقعون ورود الحسين، فجعلوا يقولون: مرحبا بابن رسول الله، قدمت خير مقدم وهم يظنون أنه الحسين، فساء ابن زياد تباشير الناس بالحسين وغمه، وصار إلى القصر فدخله وامر فنودي الصلاة جامعة وخطب الناس فأعلمهم ان يزيد ولاه مصرهم وأمره بإنصاف مظلومهم وإعطاء محرومهم، والاحسان إلى سامعهم ومطيعهم والشدة على عاصيهم ومريبهم، ووعد المحسن وأوعد المسئ.