إلى آخره. ولو سلمنا عدم ظهوره فهو معارض بما دل على أن (الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما) وبأن نية التعيين يتوقف عليها صدق الامتثال، وبأن الامتثال متوقف على قصده: وأيضا لو أخذ بهذا الاطلاق لكان التداخل فيها عزيمة لا رخصة، وهو مخالف لظاهر قوله (عليه السلام): (أجزأك) ونحوه وما يقال -: إن الأغسال المندوبة كالوضوءات المندوبة، فإن الوضوء بقصد غاية من الغايات مجز بالنسبة إلى غيرها فكذلك الغسل المندوبي أيضا - فيه أما أولا فإنه قياس، وثانيا فالفارق موجود، وذلك لكون المطلوب هناك شئ واحد، وهو رفع الحدث الأصغر، فبعد فرض رفعه بقصد غاية من الغايات يجتزى به، لعدم تصور رفعه مرة أخرى، وأيضا فالتحقيق أن من توضأ بقصد غاية من الغايات لم يصدق عليه امتثال الأمر بالنسبة إلى غيرها، نعم لو وقع غيرها مقارنا لذلك الوضوء أعطي ثواب إيقاع تلك الغاية على طهارة، مثلا من توضأ بقصد قراءة القرآن ولم يخطر بباله دخول المساجد مثلا بل لم يعلم باستحباب الوضوء لها فإنه لا يعد ممتثلا بالنسبة للأمر بهذا الوضوء لهذه الغاية، لكن لو دخله متطهرا أعطي ثواب ذلك، لما يفهم من الأدلة من استحباب دخوله على هذا الحال وإن لم يكن بقصد الفعل له.
ثم إن ذلك كله ارتكب في مثل الوضوء لظواهر الأدلة فلا يتسرى إلى غيرها، فما يقال -: إن المستحب مثلا إنما هو الزيارة على غسل سواء كان ذلك الغسل لها أو لغيرها - لا يصغي إليه، إذا ليس في الأدلة ما يقتضيه، ومجرد إمكانه لا يصلح محققا لثبوته، على أنك قد عرفت أنه خروج عن محل النزاع، ومثله ما يقال: إن المقصود من الغسل التنظيف، وهو حاصل على كل حال، فيكون كرفع الحدث في الوضوء وذلك لعدم ثبوته، وعلى تقديره فهو حكمة لا يخالف لأجلها ظواهر الأدلة.
وأما مرسلة جميل فهي لا جابر لسندها في خصوص المقام، بل الشهرة المركبة الحاصلة من نفي التداخل رأسا، واشتراطه بنية الجميع على خلافها، مع إشعارها