الرواية مع عدم الجابر لها وموافقتها لبعض مذاهب العلمة عما تقتضيه أصول المذهب لا يليق بالفقيه، فما وقع - من بعض متأخري المتأخرين من العمل بمضمونها بل قد يظهر من بعضهم أنه موافق للقواعد - مما لا ينبغي أن يلتفت إليه، وبما ذكرنا تستغني عن ذكر مستند كل من الأقوال المتقدمة، كما أنك استغيت بعد الاطلاع على جميع ما تقدم عن التعرض لصحة ما إذا وقع الفعل بنية امتثال سبب خاص قاصدا عدم الآخر وبطلانه على الوجوه السابقة، وإن كان الأقوى عندنا أنه يقع لما نواه فقط، فتأمل جيدا والله أعلم بحقائق أحكامه.
وإذ قد عرفت أن الأصل يقتضي عدم التداخل مطلقا في الواجبات والمندوبات والمختلطات وجب الاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقن أو بحكمه، والظاهر أنه هنا هو الاكتفاء بغسل واحد للجميع مع نية الجميع أو بعض الجميع كالجمع بين غسلين مثلا فقط دون الباقي. أما لو قصد التداخل كلا أو بعضا في غسل رأسه مثلا ثم أراد التفريق في باقي الأعضاء فالظاهر عدم الصحة، وكذلك العكس، نعم لو غسل رأسه بعدد ما عليه من الأغسال وهكذا سائر أعضائه فالأقوى في النظر الصحة، لعدم اشتراط الموالاة، وكذا في محل الفرض لو قصد التداخل في البعض، كما لو كانت عليه ثلاثة أغسال ثم غسل رأسه مرتين قاصدا بالأولى الاجتزاء عن اثنين وبالثانية عن الثالث حتى تم أعضاؤه على هذا الحال، أما لو غسل رأسه مثلا مكررا غير معين ولا مداخل ثم قصد التداخل في البواقي فالظاهر عدم الصحة.
(الفرض الثاني) من فروض الوضوء (غسل الوجه) كتابا وسنة وإجماعا، وهو لغة على ما يظهر من بعضهم ما يواجه به، وفي المصباح المنير أنه مستقبل كل شئ، وشرعا بمعنى المراد الشرعي لا أنه حقيقة شرعية لبعدها، كاحتمال كون ذلك من الشارع كشف للمعنى