للخليل عليه السلام بالاسلام لرب العالمين، وللولد بأن يكون قربانا لله، وإليه أشار الله تعالى في قوله: * (فلما أسلما) * ثم استقر حكم الوجوب في الشاة بطريق الفداء للولد كما قال: * (وفديناه بذبح عظيم) * والفداء اسم لما يكون واجبا بالسبب الموجب للأصل فيه يتبين انعدام النسخ هنا لانعدام ركنه فإنه بيان مدة بقاء الواجب، وحين وجبت الشاة فداء كان الواجب قائما والولد حرام الذبح، فعرفنا أنه لا وجه للقول بأنه كان نسخا.
ثم على مذهب علمائنا يجوز نسخ الأخف بالأثقل كما يجوز نسخ الأثقل بالأخف. وذكر الشافعي في كتاب الرسالة أن الله تعالى فرض فرائض أثبتها وأخرى نسخها رحمة وتخفيفا لعباده، فزعم بعض أصحابه أنه أشار بهذا إلى وجه الحكمة في النسخ. وقال بعضهم بل أراد به أن الناسخ أخف من المنسوخ وكان لا يجوز نسخ الأخف بالأثقل، واستدلوا فيه بقوله تعالى: * (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها) * وبالاتفاق ليس المراد أن الناسخ أفضل من المنسوخ، فعرفنا أن المراد أنه خير من حيث إنه أخف، وعليه نص في موضع آخر فقال: * (الآن خفف الله عنكم) * الآية. ولكنا نستدل بقوله: * (يمحو الله ما يشاء ويثبت) * فالتقييد بكون الناسخ أخف من المنسوخ يكون زيادة على هذا النص من غير دليل، ثم المعنى الذي دل على جواز النسخ وهو ما أشرنا إليه من الابتلاء والنقل إلى ما فيه منفعة لنا عاجلا أو آجلا لا يفصل بينهما، فقد يكون المنفعة تارة في النقل إلى ما هو أخف على البدن، وتارة في النقل إلى ما هو أشق على البدن، ألا ترى أن الطبيب ينقل المريض من الغذاء إلى الدواء تارة، ومن الدواء إلى الغذاء تارة بحسب ما يعلم من منفعته فيه. ثم هو بيان مدة بقاء الحكم على وجه لو كان مقرونا بالامر لكان صحيحا مستقيما، وفي هذا لا فرق بين الأثقل والأخف، ولا حجة لهم في قوله: * (الآن خفف الله عنكم) * فإن النسخ في ذلك الحكم بعينه كان نقلا من الأثقل إلى الأخف، وهذا يدل على أن كل نسخ يكون بهذه الصفة، ألا ترى أن حد الزنا كان في الابتداء هو الحبس والأذى باللسان ثم انتسخ ذلك بالجلد والرجم. ولا شك أن الناسخ أثقل على البدن. وجاء عن معاذ وابن عمر رضي الله عنهم في قوله تعالى: * (وأن تصوموا خير لكم) * أن حكمه كان هو التخيير للصحيح بين الصوم والفدية ثم انتسخ ذلك بفرضية الصوم عزما بقوله تعالى:
* (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) * وانتسخ حكم إباحة الخمر بالتحريم وهو أشق على