فصل: في خلاف التابعي هل يعتد به مع إجماع الصحابة لا خلاف أن قول التابعي لا يكون حجة على وجه يترك القياس بقوله، فقد روينا عن أبي حنيفة أنه كان يقول: ما جاءنا عن التابعين زاحمناهم. ولا خلاف أن من لم يدرك عصر الصحابة من التابعين أنه لا يعتد بخلافه في إجماعهم، فأما من أدرك عصر الصحابة من التابعين كالحسن وسعيد بن المسيب والنخعي والشعبي رضي الله عنهم فإنه يعتد بقوله في إجماعهم عندنا حتى لا يتم إجماعهم مع خلافه، وعلى قول الشافعي لا يعتد بقوله مع إجماعهم. وعلى هذا قال أبو حنيفة لا يثبت إجماع الصحابة في الاشعار، لان إبراهيم النخعي كان يكرهه وهو ممن أدرك عصر الصحابة فلا يثبت إجماعهم دون قوله. وجه قول الشافعي أن إجماع الصحابة حجة بطريق الكرامة لهم ولا مشاركة للتابعي معهم في السبب الذي استحقوا به زيادة الكرامة، وذلك صحبة رسول الله عليه السلام، ومشاهدة أحوال الوحي، ولهذا لم نجعل التابعي الذي أدرك عصرهم بمنزلتهم في الاحتجاج بقوله، فكذلك لا يقدح قوله في إجماعهم كما لا يقدح قول من لم يدرك عصر الصحابة في إجماعهم، ولان صاحب الشرع أمرنا بالاقتداء بهم، وندب إلى ذلك بقوله عليه السلام: بأيهم اقتديتم اهتديتم وهذا لا يوجد في حق التابعي وإن أدرك عصرهم فلا يكون مزاحما لهم، وإنما ينعدم انعقاد الاجماع بالمزاحم.
وحجتنا في ذلك أنه لما أدرك عصرهم وسوغوا له اجتهاد الرأي والمزاحمة معهم في الفتوى والحكم بخلاف رأيهم قد صار هو كواحد منهم فيما يبتني على اجتهاد الرأي، ثم الاجماع لا ينعقد مع خلاف واحد منهم، فكذلك لا ينعقد مع خلاف التابعي الذي أدرك عصرهم، لأنه من علماء ذلك العصر، فشرط انعقاد الاجماع أن لا يكون أحد من أهل العصر مخالفا لهم. وبيان هذا أن عمر وعليا رضي الله عنهما قلدا شريحا القضاء بعدما ظهر منه مخالفتهما في الرأي، وإنما قلداه القضاء ليحكم برأيه.
فإن قيل: لا كذلك، بل قلداه القضاء ليحكم بقولهما أو بقول بعض الصحابة