ومنه (قصة عبد الله بن مسعد، بن أبي سرح حين جاء به عثمان يشفع فيه، فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعته، رجاء أن يقتله بعضهم، لأنه قد كان تقدم بقتله) وكان فعل عثمان ذلك اجتهادا، فلم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم.
وحديث عثمان بن أبي العاص: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: " أنت إمام قومك، فاقتد بأضعفهم) وإنما يعلمه من طريق الاجتهاد.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه). يدل على ذلك أيضا، لان المنقول إليه قد يعرف من استخراج المعاني ما لا يعرفه كثير من الناقلين.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، في إباحة المعالجة واستعمال الطب والأدوية أخبار كثيرة، وطريق ذلك كله (الاجتهاد والرأي) فهذه الأخبار على اختلاف متونها وطرقها توجب التوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم في إباحة الاجتهاد في أحكام الحوادث، وهي وإن كان كل واحد منها واردا من طريق روايات الافراد، وأنها في حيز التواتر من حيث يمتنع في العادة أن يكون جميعها كذبا، أو غلطا، أو وهما، على النحو الذي بينا في أقسام التواتر، وشبهناه بالمقبلين يوم الجمعة بعد الصلاة من طريق الجامع: أن إخبارهم عن فعلهم صلاة الجمعة، تشتمل على صدق، وأن كل واحد منهم على الانفراد جائز أن يكون كاذبا فيما أخبر به عن نفسه، فكذلك هذه الأخبار مع كثرتها من حيث كانت متواقية على توقيف النبي صلى الله عليه وسلم إياهم