فإن قال قائل: خبرني عن المجتهد إذا استقر رأيه على شئ، أيلزمه الحكم بما يغلب في ظنه، من غير أن يلزمه نفسه؟ أو لا يلزمه نفسه بمعنى يحدده؟.
قيل له فيه وجهان:
أحدهما: أنه يلزمه الحكم بما غلب في ظنه، ولا يحتاج إلى أن يلزمه هو نفسه.
والآخر: أنه لا يلزمه حتى يلزمه هو نفسه.
فمن قال بالقول الأول: ذهب فيه إلى أنه متى غلب (ذلك) في ظنه لم يجز له العدول عنه إلى غيره، فصار بمنزلة من قيل له من جهة النص: أنفذ هذا الحكم، والتزمه، فيلزمه ذلك، ولا يحتاج في صحة لزومه إلى أن يلزمه نفسه.
ومن ذهب إلى القول الثاني: ذهب إلى أن ذلك إنما يثبت عنده من طريق الاجتهاد، وقد يعرض له في الحال ما يلزمه الانصراف عنه إلى غيره، فقد يلزمه حاكم خلاف رأيه، فيلزمه المصير إليه، وترك رأيه له، وما كان هذا وصفه لم يلزمه شئ حتى يختار إلزامه نفسه، فحينئذ يلزمه، ولا يجوز له العدول عنه.