وكيف كان، فقد استدل أبو الحسين البصري (1) على الوجوب مطلقا بأنه لو لم تجب المقدمة لجاز تركها، وحينئذ فإن بقي الواجب على وجوبه لزم التكليف بما لا يطاق، وإلا خرج الواجب المطلق عن كونه واجبا مطلقا.
ومحصله: أنه على تقدير عدم الوجوب يلزم أحد الامرين إما التكليف بما لا يطاق أو اجتماع النقيضين، وحيث ثبت أن كليهما محالان ثبت الوجوب.
وفيه: أنه إن كان المراد من المضاف إليه لفظة (حينئذ) جواز الترك منعنا لزوم أحد الامرين، وإن كان الترك منعنا جواز (صحة - خ ل) كون لفظة (حينئذ) حد الوسط لعدم تكرره على هذا التقدير، كما لا يخفى وجهه.
واستدل أيضا على الوجوب بوجوه اخر:
الأول: أنه إذا صرح المولى في مورد بوجوبها بأن قال مثلا: يجب عليك دخول السوق واشتراء اللحم، علمنا بوجوبها وأن المناط هو المقدمة لا غير، ولا فرق بين مقدمة ومقدمة، ولا بين مولى ومولى، ولا بين عبد وعبد، فنستكشف الوجوب في سائر الموارد التي لم يصرح المولى بوجوب المقدمة.
ويمكن أن يجاب بأن لا يسلم أن قوله (يجب دخول السوق... الخ) لا يدل على وجوب دخول السوق بما هو هو، بل يدل على أنه مراد بما هو طريق إلى الغير، فلا تتعلق الإرادة بدخول السوق مستقلا بنحو يبعث إليه المولى، بل الامر به لتعيين الطريق.
الثاني: أن الإرادة التشريعية كالارادة التكوينية، فإذا أراد تكوينا ايجاد شئ فلا بد من إرادة ايجاد مقدماته، فكذلك في الإرادة التشريعية.
والجواب: أن الإرادة التكوينية - كما مر - هي إرادة ايجاد الفعل بنفسه بلا