والالقاء في المفسدة في بعض الصور، والى عدم الملاك للحكم الواقعي، بمعنى أن نفس الحكم بأمرين متنافيين مع بقاء تمام الملاك لهما ممتنع.
هذا تمام ما قيل أو يمكن أن يقال في توضيح إشكال ابن قبة مع زيادة.
والجواب: أنا نختار بقاء الحكم الواقعي على ما هو عليه أولا فنقول حينئذ: إن عمدة الاشكال إنما هو في صورة المخالفة، وإلا ففي صورة المصادفة لا يرد الاشكال، فإنا قد ذكرنا - في مسألة اجتماع الأمر والنهي - أن الاحكام غير متضادة، فإن من خواص التضاد وجود الضد بعد وجود معروضه، وهنا بالعكس، فإن الوجوب وغيره من الاحكام تسقط بعد وجود متعلقها، بل الايجاب ونحوه له قيام صدوري بالموجب لا حلولي كي يكون عرضا، فإن مطلق تعلق شئ بشئ لا يسمى عرضا، فلذا إذا علمنا بمجئ زيد غدا فالمعلومية غير عارضة للمجئ مع تعلق علمنا به حسب الفرض، وكذا لو قال: (أكرم عالما) ثم قال: (أكرم عادلا) فأكرمت عادلا عالما لم يجتمع هنا وجودان قائمان بالشخص الواحد.
وأما إشكال عدم الملاك فنقول: إما أن نقول بالطريقية أو السببية.
(فعلى الأول) كما هو التحقيق - فإن (1) أدلة حجية الامارات التي أعلاها خبر الواحد أو ظاهر القرآن المجيد وظواهر الاخبار - لا تثبت حجيته تأسيسا، بل هو إمضاء طريقة العقلاء، فإن آية النبأ دالة على المنع من عمل الفاسق لا جعل الحجية لخبر العادل، وكذا آية النفر تدل على وجوب النفر على بعضهم لا على جميعهم، وأما وجوب التحذر فهو أمر ارتكازي.
والتعبير بقوله تعالى: لعلهم يحذرون باعتبار اختلاف الاشخاص بمعنى أن الانذار موجب للتحذر بالنسبة إلى المتقين لا غيرهم.
وكذا سائر الأدلة لا تدل على أزيد من لزوم اتباع طريقة العقلاء، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.