وأما إن اعتبر كل واحد من الجمل المستثنى منها فلا يمكن، فإن الاستثناء معنى حرفي، وهو عبارة عن الارتباط المندك في المرتبطين بخلاف المعنى الاسمي، فإن له وجودا مستقلا في الذهن.
وتوضيحه: أن الاسم والحرف مشتركان في شئ ومتميزان في شئ آخر.
فأما اشتراكهما فهو أن الوجود الخارجي في قولنا: (سرت من البصرة إلى الكوفة) ليس إلا السير الاسمي و (أنا) و (البصرة) و (الكوفة) وليس للابتداء والانتهاء المفهومين من كلمة (من) و (إلى) وجود آخر في الخارج، وكذا مفردات هذه الجملة المركبة (كالبصرة) و (السير) ولفظ (الابتداء) و (الانتهاء) وضمير (أنا) فهما مشتركان في عدم ثبوت شئ في الخارج لهما، وليس للابتداء والانتهاء عين ولا أثر، سواء كان بلفظهما أو ب (من) و (إلى).
وأما تميزهما فهو أن المعنى الاسمي موجود في الذهن مستقلا دون الحرفي فإنه أمر انتزاعي لا يتحقق إلا بالمرتبطين كما في استعمال اللفظ في أكثر من معنى، حيث إن اللفظ مرآة للمعنى، بل هو عينه باعتبار فلا يمكن اندكاك شئ في شئ، يكون هو مندكا في شئ آخر، بل الحروف لا معنى لها كما عن الرضي رضي الله عنه، خلافا لابن الحاجب، فالاشكال هنا أشد من إشكال استعمال اللفظ في أكثر من معنى، لان اندكاك الحرف في معنى الاسم أخفى من اندكاك الاسم في معناه، فتأمل جيدا.
فيمكن حينئذ تصديق صاحب المعالم في المقام من امتناع العود إلى الجميع وإن كان ما مهده لاثبات مطلوبه محل نظر، هذا.
ولكن يمكن أن يجاب عن هذا الاشكال بجعل المتكلم أدات الاستثناء علامة للاخراج بأن يتصور كل واحد من المستثنى منه ويجعل لفظة (إلا) مثلا علامة للاخراج من الجميع.
كما يمكن أن يقال ذلك في المشترك أيضا، ووحدة العلامة وتعدد ذي العلامة