كما لو اضطر إلى شرب أحد الماءين مع العلم التفصيلي بنجاسة أحدهما المعين، فهل يتوهم رفع الحرمة عن الحرام المعلوم تفصيلا لأجل الاضطرار إلى الجامع، والمقام من هذا القبيل لعدم الفرق بين العلم التفصيلي والعلم الاجمالي من هذه الجهة، وهذا أعني تعلق الاضطرار بالجامع هو الفارق بين هذا المقام والمقام السابق، فان الاضطرار هناك كان متعلقا بأحدهما المعين، وهو رافع للحرمة على تقدير ثبوتها مع قطع النظر عن الاضطرار، بخلاف المقام فان الاضطرار فيه لم يتعلق إلا بالجامع، والاضطرار إلى أحد الامرين من الحرام أو الحلال لا يوجب رفع الحرمة عن الحرام كما تقدم بيانه، غاية الأمر ان وجوب الموافقة القطعية مما لا يمكن الالتزام به بعد الاضطرار إلى الجامع، لان الموافقة القطعية انما تحصل بالاجتناب عنهما معا وهو طرح لأدلة الاضطرار، ويكون نظير الاجتناب عما اضطر إليه معينا وتبقي حرمة المخالفة القطعية بارتكابهما معا على حالها، إذ لا يوجب لرفع اليد عنها بعد التمكن منها كما هو المفروض. والذي تحصل مما ذكرناه أمور ينبغي الإشارة إليها لتوضيح المقام:
(الأول) - ان الحرام المعلوم بالاجمال لم يطرأ ما يوجب ارتفاعه، لما عرفت من أن الاضطرار إنما هو إلى الجامع لا إلى خصوص الحرام ليرتفع حكمه.
(الثاني) - انه لا يمكن الترخيص في ارتكاب جميع الأطراف لاستلزمه الترخيص في المعصية ومخالفة التكليف الواصل.
(الثالث) - انه لا بد من رفع اليد عن وجوب الموافقة القطعية لتوقف رفع الاضطرار على ارتكاب بعض الأطراف، فلا مناص من الترخيص في الارتكاب بمقدار يرتفع به الاضطرار.
(الرابع) - انه إن انطبق ما اختاره المكلف لرفع اضطراره على الحلال الواقعي فالحرمة الواقعية في الطرف الآخر باقية بحالها. ولا وجه لرفع اليد