ومن هنا نقول بان المرجع عند دوران الامر بين الأقل والأكثر الارتباطيين هي البراءة، فإنه مع الاتيان بالأقل يشك في بقاء التكليف المعلوم بالاجمال، ومع ذلك لا يرجع إلى الاستصحاب ولا إلى قاعدة الاشتغال، وليس ذلك إلا لان منشأ الشك في بقاء التكليف احتمال تعلقه بالأكثر الذي يجري فيه الأصل بلا معارض، فالتكليف بالأقل ساقط بالامتثال. والتكليف بالأكثر مشكوك الحدوث من أول الامر، ومنفي بالتعبد للأصل الجاري فيه بلا معارض فلم يبق مجال للرجوع إلى الاستصحاب أو قاعدة الاشتغال.
وظهر مما ذكرناه - في حكم الاضطرار إلى المعين من الأطراف باقسامه الثلاثة حكم غير الاضطرار مما يرتفع معه الحكم، كفقدان بعض الأطراف أو خروجه عن محل الابتلاء أو الاكراه إلى البعض المعين من الأطراف ونحوها، فإنه يجري فيها جميع ما ذكرناه في الاضطرار من الأقسام والاحكام، فلا حاجة إلى الإعادة.
وأما المقام الثاني وهو ما كان الاضطرار إلى أحد الأطراف لا بعينه، فاختار صاحب الكفاية (ره) فيه عدم التنجيز بدعوى ان الترخيص في بعض الأطراف لأجل الاضطرار لا يجامع التكليف الفعلي على كل تقدير، فليس في غير ما يختاره المكلف لرفع اضطراره الا احتمال التكليف، وهو منفي بالأصل واختار شيخنا الأنصاري (ره) التنجيز مطلقا حتى في صورة تقدم الاضطرار على حدوث التكليف، وعلى العلم به وتبعه المحقق النائيني (ره) وهو الصحيح لأن الاضطرار لم يتعلق بخصوصه الحرام كي ترتفع حرمته به، وإنما تعلق بالجامع بينه وبين الحلال على الفرض، فالجامع هو المضطر إليه واحدهما مع الخصوصية هو الحرام، فما هو مضطر إليه ليس بحرام. وما هو حرام ليس بمضطر إليه، فلا وجه لرفع اليد عن حرمة الحرام المعلوم بالاجمال، لأجل الاضطرار إلى الجامع،